التغافل والمدارات والعفو هي مفاهيم متداخلة،ولكنها واضحة.
فالتغافل إذا لم يكن الإنسان مجبرا عليه أو مضطرا إليه فهو خلق إسلامي جليل، لا يفعله إلا من كان واثقاً من نفسه، بعيد النظر،كريم النفس.
فالإنسان يتعرض إلى مواقف كثيرة في حياته الشخصية تسيئ إليه أو تزعجه، وليست كل إساءة إزعاج يستحق الرد عليها،وليس الرد المناسب واحداً في كل ظرف،ولذا فالرد يختلف وردة الفعل تختلف، وقد تكون ردة الفعل المناسبة في بعض المواقف هي التغافل وكأن شيئاً لم يكن، وهو أكثر ما يحتاجه الإنسان في محيط العائلة،وخاصة الزوجة في عملها البيتي،
فالتغافل عن بعض الأمور القليلة السلبية وكأنك لا تراها،وعدم إظهار نفسك رقيباً على كل شيء في البيت أو خارج البيت هو السلوك المريح لك ولأهلك ولغيرهم، فالتغافل هو عدم المبالاة الواعية بالأمر،له مردود إيجابي كبير على الشخص وعلى المجتمع، وهو تمرين للنفس على تحمل الضغوط في سبيل سلامة المجتمع أو المحيطين أوحتى السلامة الشخصية من الأذى الذي قد يلحق به جزاء الرد بغير التغافل،وهو أيضاً جهاد للنفس فيستحق عليه ثواباً آجلاً أو عاجلاً من الله سبحانه وتعالى.
إذن، التغافل مطلوب وسلوك صحيح في بعض المواقف، ولكنه سلوك خاطئ في مواقف أخرى،وهذا ما يدعونا إلى القول بأن التغافل حسن فقط عندما تكون إساءة للغير له على نحو شخصي،أما إذا كانت بحق المجتمع فلا يجوز غض النظر عن هذه الإساءة في كثير من الحالات، ويبقى العقل هو الفيصل في تمييز المواقف التي يحسن معها التغافل أو التي تقتضي تصرفاً آخر.
ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( ع)
قوله:(من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم)وكذلك قوله:(من لم يغفل ولا يغض عن كثير من الأمور تنغصت عيشته).
أما المدارات فهي نصف العقل، وتعني تحديداً اختيار الطريقة الأسلم للتعامل مع الناس، ويخطئ من يظن أن الناس لهم طريقة واحدة في التعامل،بل لكل مقام مقال، وعموماً فاختيار الطريقة الصحيحة يتبع شرطين مهمين هما:
1- القدرة العقلية للإنسان صاحب الاختيار،
فالمسألة عرض اختيارات التعامل مع الإنسان وموازنة هذه الاختيارات،وترجيح الأفضل والأجلب منفعة للمجتمع.
2-القدرة على الصبر والتحمل في داخله، وهذا يدخل أيضاً ضمن معادلة الاختيار للطريق،فمن كانت له قدرة على التحمل والصبر أكثر من غيره سيصمد في الطريق الأصعب، وقد يكون هذا الطريق الأصعب بالنسبة له هو الطريق الأمثل، إذن الحكمة العملية تقتضي هذين الشرطين دون إمكانية اختيار شرط واحد فقط،ولكل إنسان في كل ظرف وفي كل حالة إجراء مناسب هو الأسلم له ولصاحب الإجراء وبالتالي للمجتمع عموماً.
ونشير إلى أن بعض مواجهات أهل الخلاف مع أهل الحق،والتي تبتعد عن الموضوعية وتنحو نحو العصبية والجهالة،هي مندرجة تحت إطار ما ذكرنا.