إن الإيمان إنما ينتفع به الإنسان إذا انضم إليه العمل الصالح،ولا ينفع الإيمان إذا خلا عنه،فالحق الذي عليه الكتاب والسنة هو: أن المنجي هو الإيمان المقترن بالعمل الصالح،
وهذا هو ما اتفقت عليه الأمة الإسلامية وتظافرت عليه الأحاديث والأخبار.
ولكن الله -سبحانه وتعالى- بفضله وجوده الواسعين وسع على الإنسان دائرة الانتفاع بالأعمال بحيث شمل الانتقال بعد الموت،
والأعمال التي تتحقق بعد الموت هي على نوعين:
الأول:ما إذا قام الإنسان بعمل مباشر في زمانه ومات،ولكن بقي العمل يستفيد منه الناس كصدقة جارية أجراها،أو إذا ترك علماً ينتفع به،ويقرب منه ما إذا ربى ولداً صالحاً يدعو له،فهو ينتفع بصدقاته وعلومه؛لأنها أعمال مباشرة باقية بعد موته،وليس كسائر أعماله الفانية بفنائه الزائلة بموته، فالجسر الذي بناه،والنهر الذي أجراه، والمدرسة التي شيدها، والطريق الذي عبده إنما تتحقق بسعيه فهو ينتفع به،وقد وردت في هذا المجال روايات عديدة منها:
قال رسول الله(ص): (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له)، وعن الإمام الصادق(ع)أنه قال: قال رسول الله(ص):(مر عيس بن مريم بقبر يعذب صاحبه،ثم مر به من قابل،فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب،ثم مررت به العام،فإذا هو ليس يعذب؟
فأوحى الله تعالى إليه: يا روح الله إنه أدرك له ولدا صالح،فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه..).
فاستثناء هذه الثلاث من عمله يدل على أنها منه،فإنه هو الذي تسبب إليها.
وقال رسول الله(ص): من سن خيراً فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئاً،ومن سن شراً فاستن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً).
الثاني:
فيما إذا لم يكن للميت في العمل سعي ولا تسبب،فهل يصل ثواب عمل الغير له؟
الظاهر من الكتاب والسنة هو أنه سبحانه بعميم فضله وواسع رحمته يوصل ثواب عمل الغير إلى الميت،فيما إذا قام الغير بعمل صالح نيابه عن الميت،أو بعث ثوابه إليه،ويدل على ذلك طائفة كبيرة من الآيات والأخبار منها:
1-استغفار الملائكة للمؤمن وقوله تعالى:( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).
2-دعاء المؤمن للذين آمنوا:قال تعالى:
(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
الأحاديث:
1-انتقاع الميت بالعبادات نيابة عنه:
قال: الصادق( ع):إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان، فعلى وليه أن يقضي عنه ذلك الشهر،أو يقضي عنه من شاء من أهله،
2-انتفاع الميت بالصدقة نيابة عنه:
عن معاذ قال: أعطاني رسول الله عطية، فبكيت فقال: ما يبكيك يا معاذ؟
قلت يارسول الله: كان لأمي من عطاء أبي نصيب تتصدق به وتقدمه لآخرتها، وأنها ماتت ولم توصي بشيء،قال(ص)فلا يبك الله عينك يا معاذ،أتريد أن تؤجر أمك في قبرها؟قلت: نعم يا رسول الله قال: فانظر الذي كان يصيبها من عطائك فاخصه لها،وقل: اللهم تقبل من أم معاذ،فقال قائل: يا رسول الله، لمعاذ خاصة أم لأمتك عامة؟قال: لأمتي عامة.
3-انتفاع الميت بالدعاء والقراءة:
عن جامع الأخبار عن بعض أصحاب النبي(ص)قال: اهدوا لموتاكم فقلنا: وما نهديه للأموات؟فقال: الصدقة الجارية، والدعاء،فإن أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم وينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكين: يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي ،اعطفوا علينا يرحمكم الله بالذي كان في أيدينا والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا، وينادي كل واحد منهم إلى أقربائه: اعطفوا علينا بدرهم أو رغيف أو كسوة يكسوكم الله من لباس الجنة، وينادون: أسرعوا صدقة الأموات، ولا بد من التصدق عن الميت بما يليق به،ويرفع منزلته في عالم البرزخ، فيا أيها المؤمنون لا تقصروا مع أمواتكم ولا تنسوهم من الصدقة والدعاء وقراءة القرآن يرحمكم الله.