إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم، كما يقول الله تعالى:( ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها)وهذا يعم كل الكائنات الحية،وفيما يخص البشر،فإن الله سبحانه وتعالى أودع لهم في الكون كنوز الخيرات والثروات، ومنحهم القول والقدرات التي يتمكنون بها من السعي لأرزاقهم، وتحصيل ما تتقوم به حياتهم.
ورد عن أمير المؤمنين علي(ع):(....عياله الخلائق ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم...)،لكن بعض البشر قد تكون ظروفهم صعبة بسبب مرضي أو إعاقة أو عدم تملك مسكن أو أنهم أيتام وما إلى ذلك، إذن لا تكون عندهم القدرة على السعي لأرزاقهم، وفي كثير من الأحيان يعيش المجتمع وضعاً غير عادل،لا يستطيع فيه الوصول إلى رزقه،لأن هناك خللاً في النظام الاجتماعي،فلا تكون الفرص متاحة،أو لا تكون متكافئة،
ولذا لا يصل هؤلاء الناس إلى أرزاقهم؛
بسبب الخلل الموجود في النظام الاجتماعي،وفي بعض الأحيان قد يكون الإنسان عاجزاً عن السعي لرزقه،لنقص في قدراته أو لمرض،أو لإعاقة أو لظرف آخر، فيعجز عن الوصول إلى حصته من الرزق المقدر له، إذن هناك حالات استثنائية،
لذلك لا بد أن تتوفر السبل لمعالجة وحل مشكلة الفقر، إن وجود مساحة من الفقر في أي مجتمع،لها مضاعفات على حياة ذلك المجتمع،فالفقر ينتج الانحراف والإجرام،
وينتج عدم الانسجام في العلاقات بين فئات المجتمع، وبالتالي تقع المسؤولية على المجتمع،وقد اهتم الإسلام بمعالجة هذه المشكلة، من جانبين:
الجانب الأول :حينما يكون هناك خلل في النظام الاجتماعي، فإن الإسلام يحمل قادة المجتمع وأهل الرأي والنفوذ مسؤولية السعي لإقرار العدالة،حتى تكون الفرص متاحة متكافئة أمام المجتمع،ومن بين حقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق الدولية حقه في العمل.
الجانب الثاني: حينما يكون هناك أشخاص عاجزون عن السعي والعمل،فإن للإسلام تشريعات فيما يرتبط بهذه الشريحة الأولى والثانية،حيث يدفع القادرون من أبناء المجتمع ليتحملوا مسؤوليتهم تجاه هؤلاء العاجزين.
والآية الكريمة المباركة توضح ذلك حيث تقول:(وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)، فالإنسان الذي يكسب المال، عليه أن يعلم أن ما يكسبه، ليس كله له،وإنما فيه حصة للمحتاجين والفقراء،حيث جعل الله سبحانه وتعالى حصة للفقراء والمحتاجين في أموال القادرين.
ويقول تعالى في آية أخرى:( والذين في أموالهم حق معلوم،للسائل والمحروم)إن هذا الحق كما تشير له بعض الآيات والروايات هو غير الحقوق المفروضة من الزكاة والخمس،فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق( ع) في تفسير الآية الكريمة:(ولكن الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء والأثرياء والقادرين حقوقا غير الزكاة والخمس فقال عز وجل:(والذين في أموالهم حق معلوم)، فالحق المعلوم من غير الزكاة والخمس،وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله بحيث أنه قادر ومستطيع،يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة رزقه، فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم وإن شاء في كل جمعة وإن شاء في كل شهر وقد قال الله عز وجل أيضاً:(وأقرضوا الله قرضاً حسناً).
وهناك نصوص كثيرة تتحدث عن هذا الجانب،وتؤكد على أن رزق الفقراء والمحتاجين مقرر في كسب الأغنياء والأثرياء والقادرين،فقد ورد عن الإمام علي(ع):(إن الله سبحانه وتعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير، إلا بما متع به غني،والله تعالى يوم القيامة سائلهم عن ذلك،فيجب على الأغنياء والأثرياء والتجار والقادرين دعم الجمعيات الخيرية،وليس الجمعيات الخيرية فقط،حتى جمعية إكرام الموتى،لحل الخلل الموجود في النظام الاجتماعي،وحل مشكل الفقر الموجودة في المجتمع ،بحيث يدفع القادرين من أبناء المجتمع مسؤوليتهم اتجاه هؤلاء العاجزين،وعلى الإنسان الذي يكسب المال،أن يعلم أن ما يكسبه،ليس كله له، وإنما فيه حصة للمحتاجين والفقراء.