رحلة الحج الإيمانية من أهم مظاهر العبودية وسلوك طريق التقرب إلى الله تعالى ، فيتعلم الحاج من رحلته المضبوطة في خطاها الزمانية والمكانية وفق الأحكام الشرعية الكثير من الدروس والعبر ؛ لينطلق بعدها في كل خطاه وعلاقاته وتعاملاته بما يرضي الله تعالى ويسكب عليه آيات الطمأنينة والراحة النفسية ، فالعبادة الواعية في الحج مزيج من الصلاة والدعاء وأفعال الحج كالطواف وغيرها، تنبت في نفسه الخوف من الله تعالى ومحاسبة النفس للتوقي من الانزلاق في مهاوي الذنوب والخطايا .
كما أن الاتصال بالله تعالى وذكره ليس مجرد كلمات يترنم بها الحاج في أدعيته ، بل هي بناء روحي وطاقة إيمانية تشعره بالقوة والاقتدار بعد الاتكال على الله تعالى والثقة بتدبيره ، فيواجه الصعاب والمشاكل وبين جوانحه تسكن الطمأنينة والهدوء النفسي ، ومرد ذلك شعوره ويقينه بأن كل القوى المادية تخضع في تأثيرها للتقدير الإلهي .
كما أن مناسك الحج فيها تأكيد على مبدأ الإخلاص في العمل والبعد -كل البعد- عن شوائب الرياء والإعجاب بالعمل ، فعين الحاج وهمته منصبة على موافقة أداء مناسكه للأحكام الشرعية والالتزام بالمحظورات في المحضر الإلهي وإعظام شأن تلك البقاع المقدسة بتطهيرها من دنس الشهوات والأهواء ، لا يوجد في نفسه أي اعتبار لبناء المكانة الاجتماعية بين الناس بالزيف والخداع والنفاق من خلال التصنع والتكلف في أداء هذه العبادة ، بل ينطلق من حقيقة وقوفه بين يدي محكمة العدالة الإلهية يوم القيامة لوحده دون وجود نصير أو معين له قال تعالى : {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }(مريم الآية ٩٥)، ولذلك يحيا هذا المبدأ في أعماله في الحياة الدنيا فكل همه ومبتغاه رضا الله تعالى ، فدمعته من خشية الله تعالى وتلاوته الحقة للقرآن الكريم والأدعية المباركة وصدقته وغيرها من أعماله تخضع لمبدأ الإخلاص لوجه الله تعالى.