قبل أن يبدأ الحاج رحلة أداء مناسك الحج لابد له من التعرف على خريطة الطريق والغايات المؤمل تحصيلها والظفر بها من هذه الرحلة المباركة ، رحلة تتظافر فيها الجهود البدنية والروحية حيث تهفو تلك القلوب نحو البيت الحرام ويحركها الشوق للتنقل بين البقاع المقدسة ، وهذه الرحلة الإيمانية لها غايات وأهداف تتمثل في صياغة شخصية الحاج وقد اصطيغت بالورع عن محارم الله تعالى وهجرة المعاصي ، وأورث عقله الوعي والنضج والبصيرة بعواقب الأمور، وهذا ما يجعل نفسه تعاف وتتجنب السبل الموصلة إلى الآثام ، وغريزة حب المال التي تطغى على النفس البشرية فيلتصق المرء بمظاهر الدنيا ومتاعها ، يجري تهذيبها ومعايرتها بالواقع الذي يتناسق مع القيم الإسلامية ويوازن بين الحاجات الجسمية والحاجات الروحية وتكوين الرصيد الأخروي ، بما يبذله في سبيل الله تعالى من تكاليف هذه الرحلة المباركة وما يتعلق بتهيئة السكن والمأكل والتنقل هناك ؛ ليتحرك بعد الحج وقد تخلص من ربقة وأسر حب المال وتغلغله في أعماق روحه ، فيحوله إلى نفقة تبلسم حاجات المعوزين فيما يزيد على مؤونة ومستلزمات الحياة الكريمة له ولأسرته ، فالمال وسيلة تقرب إلى الله تعالى يبني به المرء مستقبله ورصيده الأخروي .
كما أن رحلة الحج الإيمانية تكسب الحاج مجموعة من المكتسبات والطاقات المعينة له في دروب الحياة ومواجهة الصعاب والمشاكل المختلفة ، فأداء مناسك الحج تحتاج إلى بذل الجهد وتحمل المتاعب المصاحبة للتنقل بين البقاع المقدسة ، وهذا ما يكسبه الصبر وتحمل المشاق في طريق تحقيق أهدافه وغاياته ، وليس هناك من معين في الحياة كالصبر الذي يحتاجه في كل حركاته ، فكم من عمل أو مشروع قد خسره المرء بسبب توقفه عند إحدى المحطات أو الخطوات بعد أن داهمه الضعف واليأس بسبب الإخفاق وصعوبة مواجهة العراقيل والظروف القاهرة .
ورحلة الحج الإيمانية من أهم مظاهر العبودية وسلوك طريق التقرب إلى الله تعالى ، فيتعلم الحاج من رحلته المضبوطة في خطاها الزمانية والمكانية وفق الأحكام الشرعية ؛ لينطلق بعدها في كل خطاه وعلاقاته وتعاملاته بما يرضي الله تعالى ويسكب عليه آيات الطمأنينة والراحة النفسية ، فالعبادة الواعية في الحج مزيج من الصلاة والدعاء وأفعال الحج كالطواف وغيرها ،تنبت في نفسه الخوف من الله تعالى ومحاسبة النفس للتوقي من الانزلاق في مهاوي الذنوب والخطايا .