منذ آلاف السنين،وأهل المعرفة يتكلمون في السعادة ومعناها،وكل يحددها بتحديد،ويعرفها بتعريف،فمنهم من يراها في الجاه والمال، ومنهم من يراها في الانتصار على الخصوم،ومنهم من قال: إنها في عمل الخير، وإسعاد الغير،وقال آخرون: إنها معرفة الحقيقة.
وذهب كثيرون إلى أنها إشباع الغرائز والرغبات، والقول الشائع: إن من توافرت له الصحة والأمان، وسعة الرزق،والمكانة الاجتماعية والزوجة الصالحة، والصديق الوفي.
والحقيقة أن لا سعادة في هذه الحياة،ولا شك في أن الدنيا لا تصفو لإنسان من جميع الجهات، فإن كان في يسر من العيش شكى من الأمراض والأسقام، وإن جمع بين الصحة والثراء شكى في بيته من كثرة المشاكل، أو أرحامه أو خصومه.
قال أمير المؤمنين(ع):(...وإن جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر منها جانب فأوبى! لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا، إلا أرهقته من نوائبها تعبا).
إذن لا سعادة في هذه الحياة،ومن يرى نفسه سعيداً فهو سعيد عند نفسه،لا في الواقع،ولكن أخشى أن يصدق عليه قول القائل:
(مالذة العيش إلا للمجانين)
وبديهي أن كل من لا يفكر بآلام الناس، ولا يهتم بما يجري حوله فهو مجنون،أو في حكم المجنون.
وإذا افترضنا جدلاً أن الإنسان قد يشعر بالغبطة والسعادة في حياته هذه بشتى جهاتها، ويجمع بين الجاه والمال، والصحة والأمان، والزوجة التقية النقية، والأبناء الصالحين المخلصين الأبرار، والأصدقاء الأوفياء الأخيار،وأنه لايهتم بما عداه أبداً،إذا افترضنا ذلك، فإن فكرة الموت وسكرته،والقبر ووحشته تهدم جميع ملاذته، وتعكر عليه صفو حياته.
لما حضرت الوفاة (عبدالملك بن مروان) قال: ليتني كنت غسالاً،أعيش بما أكسب يوماً بيوم، فقال أحد الزهاد: الحمد لله الذي جعل الملوك عند الموت يتمنون ما نحن فيه.