لعل الفلسفة بما هي فلسفة ساهمت مساهمة كبيرة في تنمية الحس المعرفي لهذا الإنسان وبالخصوص الفلسفة الإسلامية التي تميزت عن الفلسفة اليونانية والإغريقية،من حيث الموضوعات والتخريجات، بل نستطيع أن نجزم أن فلاسفة المسلمين تمكنوا من تشذيب الفلسفة اليونانية وتطوير مباحثها وفق القرآن والعقل.
تعريف الفلسفة اليونانية: الفلسفة كلمة يونانية تطلق على المحب للعلم، وأصلها مأخوذ من فيلوسوفيا وهي منحوتة من كلمتين هما:
(فيلو) و (سوفيا) فالأولى تعني(الحب) والثانية تعني(الحكمة) فيكون معنى (فيلوسوفيا) حب الحكمة، ولذا فقد وصف كل من أفلاطون وسقراط بأنه (فيلاسوفوس) بمعنى محب الحكمة.
وقد نسب هذا القول (أي محبي الحكمة) إلى فيثاغورس المتوفي(497، ق، م)والذي يقول: إن من الرجال قلة لا يستعيدهم طلب المجد أو يستهويهم المال بل يستهدفون البحث في طبيعة الأشياء، وهؤلاء محبو الحكمة أو الفلسفة، لأن الحكمة لا تضاف لغير الآلهة،ولكن بعد التأمل في تاريخ الفلسفة اليونانية، أن نسبة هذا المصطلح (محبي الحكمة) إلى سقراط بما جبل عليه من تواضع أقرب إلى القبول، ومهما كان نسبتها، إلا أنها تعني في النهاية كلمة (الفيلسوف) وصارت تعني(محبي الحكمة)أو المؤثر للحكمة، وهو الذي يكرس حياته أو يفني أوقاته في تحصيلها.
أما تعريف الفلسفة الإسلامية:وحينما دخلت الفلسفة اليونانية العالم الإسلامي تغيرت مضامينها وآلياتها نحو تطوير ملموس، شاطر فيه علماء المذاهب الإسلامية، فاكتسبت لونا جديدا يختلف اختلافا كبيرا عن الفلسفة اليونانية والإفريقية ، من حيث الموضوع والمضمون، فأصبحت (كلمة فلسفة) تطلق على المباحث العقلية العامة والتي عبر عنها القرآن الكريم(بالحكمة)في قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين).
والمفهوم هنا من الحكمة هو العلم بالمعقول،
فالنبي(ص) كما جاء لتعليم الكتاب بما فيه، من أخلاق وتشريعات وغيرهما،جاء لتعليم العقول، وهداية البشر لما تحكم به عقولهم، بل وقد شيد الإسلام بناءه على العقل، ونادى بالدليل،
وطالب البرهان، وحكم العقل والعقلاء: (أمن بدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) كما أن الله جل شأنه قد أورد في كتابه الكريم في ثلاثة عشر موقعا عبارة (أفلا تعقلون).
ولعلنا إذا وقفنا متأملين في تراث المسلمين العقلي، نصل إلى حقيقة مفادها، أنه ليست الفلسفة في المصطلح الشائع بين المسلمين اسم الفن أو علم مخصوص.
قال العلامة المطهري(قدس سره):بأن علماء المسلمين يدرجون جميع العلوم العقلية، في قبال النقلية من قبيل اللغة والنحو،والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والتفسيرات، والحديث، والفقه، والأصول، في عنوان الفلسفة، وقد كان لكلمة (الفلسفة)مفهوما عاما آنذاك، فكانت تطلق على الشخص الجامع لجميع العلوم العقلية، أعم من الإلهيات والرياضات، والطبيعيات، والأخلاق، وتدبير المنزل، حتى اشتهرت هذه العبارة بينهم: (الفيلسوف عالم عقلي مضاه للعالم العيني) وقد استعمل المسلمون لفظتي الفلسفة والحكمة في مقام بيان التقسيم الأرسطي للعلوم، وكانوا يقولون إن الفلسفة- أي العلوم العقلية- تنقسم إلى قسمين: نظرية وعقلية.
أما النظرية: فهي التي تبحث في الأشياء كما هي، أو كما ينبغي أن تعليمها، وأما العملية: فهي التي تبحث في أفعال الإنسان كما ينبغي أن يكون أو تفعل،
أما العقلية: فإننا في هذه العجالة نشير إلى حقيقة ألا وهي: أننا لا نستغني عن العلوم العقلية ؛لأنه من خلالها يمكن الاستفادة الفاعلة الصحيحة منها في إثراء الفكر الإسلامي، والوصول للفهم أكثر صوابا وعمقا بما لا تتصادم مع الثوابت الإسلامية، والأخذ بما يتصادم معها، بل ربما كان في بعض معطيات هذه إثباتات الثوابت الإسلامية، كما اعتمد الكثير من النظريات العلمية القديمة والحديثة في إثبات الله وصفاته والكثير من المعتقدات والتعاليم والأحكام الإسلامية وإن كانت على سبيل التأييد والدعم.
والحق، إن العلوم الفلسفية الإسلامية تمكنت من رفع المستوى المعرفي في كافة الفنون فالقارئ والدارس للفلسفة الإسلامية يتميز عن غيره في كافة المناحي المعرفية، وهذا لا يلمسه ولا يتعرف عليه إلا العارف بها.