يواجه الإنسان أعداء متخفين ، وأعداء ظاهرين ، أما الأعداء المتخفون : فيتمثل في الشيطان والجن ، ونزوات النفس ، أما الأعداء الظاهرون : فهو الأعداء من بني آدم .
وقد يتفرق الأعداء المتخفون والظاهرون على قتال المؤمن حسب ظروف الزمان والمكان ، وتكمن الخطوة حينما يجتمع هؤلاء القتلة على قتاله في وقت واحد .
لأنه سيواجه عدواً أولياً : يتمثل في إنسان يتربص به ليشمت منه بأي طريقة ، وعدواً ثانياً : يتمثل في نزوات نفسه التي تشجعه على مبادلة العدو بالحقد والعداوة ، وعدواً ثالثاً : يتمثل في وساوس الشيطان التي تثير في داخله نيران الحقد والكراهة ضده .
أنه التوقيت القتالي الخطير الذي يظهر فيه مستوى دناءة أناس يحملون أمراض الحسد والحقد والعداء نتيجة أمراض داخل نفوسهم ، أو تعاملات بينت بشاعة نفوسهم ، حينها ليس لدى المؤمن خيار إلا قتالهم جميعاً ، لأنه لو غفل عن أحدهما قتله الآخر .
أغلب البشر الذين يدخلون هذا النوع من القتال يسعون لإرضاء نفوسهم ، والانصياع لوساوس الشيطان ، ومعاملة العدو بمستوى أخلاقهم الدنيئة وتجريعه من نفس الكأس الذي أشربه منه .
لذا يخرج هؤلاء من هذا القتال مقتولين خاسرين منه ، لأن أعدائهم استطاعوا تحطيم نفوسهم ، وتجريدهم من القيم التي آمنوا بها ، وسمة الأخلاق التي حملوها في حياتهم ، واستطاعوا إسقاطهم في مستنقع الدناءة والخساسة التي يعيشون فيها .
لكن ثمة قلة من الناس يخوضون هذا النوع من القتال ولديهم العزيمة على قتال جميع أعدائهم والخروج منه قاتلين منتصرين عليهم .
لأن هؤلاء القلة استطاعوا صنع سلاح قوي خفي لا يقاتل به إلا من صنعه بنفسه ، جعلهم قادرين على قتال نفوسهم الإمارة بالسوء ، ورد وساوس الشيطان ، وصد أعدائهم من البشر ، ومكنهم في نهاية المطاف من الانتصار عليهم جميعاً !! .
أنه سلاح تزكية النفس التي أشار إليها الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق في قوله : واجعَل لِي يَداً عَلَى مَن ظَلَمَنِي ، ولِسَاناً عَلَى مَن خَاصَمَنِي ، وظَفَراً بِمَن عَانَدَنِي، وهَب لِي مَكراً عَلَى مَن كَايَدَنِي ، وقُدرَةً عَلَى مَنِ اضطَهَدَنِي .
وسَدِّدنِي لِأَن أُعَارِضَ مَن غَشَّنِي بِالنُّصحِ ، وأَجزِيَ مَن هَجَرَنِي بِالبِرِّ، وأُثِيبَ مَن حَرَمَنِي بِالبَذلِ ، وأُكَافِيَ مَن قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ ، وأُخَالِفَ مَنِ اغتَابَنِي إِلَى حُسنِ الذِّكر ِ، وأَن أَشكُرَ الحَسَنَةَ ، وأُغضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ.
أنه السلاح القاتل للنفس والشيطان والعدو معاً ، الذي لا يحاسبك أحد عليه إن حملته أو قاتلت أو قتلت أحد به.
بالمقابل يثيبك الله عز وجل عليه ، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام : عاتب أخاك بالإحسان إليه ، وأردد شره بالإنعام .
إن من عجائب هذا السلاح أنه سلاح خفي يستطيع بواسطته المؤمن قتال أعدائه جميعاً ، وهم لا يعرفون أنه يحمله أو يحاربه به ، لأن الله عز وجل هو المطلع الحقيقي على ذلك السلاح!!.
ومن عجائب ذلك السلاح أيضاً : أن المؤمن يستطيع قتل عدوه في الدنيا مرتين فالمرة الأولى التي تكون حدود تبعاتها في يده : بأن يرد إساءة العدو بالإحسان إليه بينه وبين الله عز وجل .
أما المرة الثانية ، وهي الأخطر : التي تخرج من حدود الإنسان ، وتصبح في يد الجبار : وذلك حينما يصر العدو على الإساءة والمكر ، ويستمر المؤمن في الإحسان والدعاء إليه.
حينها يصل إلى حد الجحود ، فينقم الله عز وجل منه بالطريقة المناسبة ، وأخطرها أن يبتر الله عمره بسبب جحود نعمة إحسان المؤمن إليه !! .
قد يقول قائل : أن هذا الكلام ضرب من ضروب الخيال في زمننا المعاصر ، ولا يوجد أناس يصنعون هذا السلاح الخفي ، ويحاربون به غيرهم .
لكن : ما ردك يوم القيامة على النبي والأئمة الطاهرين عليهم السلام إذا واجهوك بمؤمن كنت من المتلذذين بالإساءة إليه ، وكان من المستمرين بالإحسان إليك؟!! .