أصبح الغياب عن مدارسنا في الآونة الأخيرة ظاهرة على مسمع ومرأى من الجميع مع أسفنا الشديد، وتعتبر هذه المشكلة من المشكلات الشائكة والآخذة بالانتشار بشكل ليس بالقليل؛ وستؤدي حتما في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية لا تحمد عقباها، وهي سلبية للغاية على العملية التربوية والتعليمية برمتها داخل بلادنا العزيزة؛ مما ينتج عن ذلك السلوك تدن عام على مخرجات الجودة المعرفية وكذلك على مستوى التحصيل الدراسي والمعلوماتي لأبنائنا الطلاب ذكورا وإناثا إن لم نتخذ جميعا موقفا من تلك المعضلة الحقيقية.
ومن هذا المنطلق هناك سؤال ملح يطرح في ذلك المضمار وهو من المسؤول عن تلك الظاهرة اللافتة للأنظار؟ نعم هي ظاهرة بل باتت ثقافة خاطئة ونحن الآباء والأمهات المسؤولون عن إيجادها لا شك، ونحن من صنعناها وساهمنا في ترسيخها في عقول صغارنا حتى تغلغلت في أفكارنا وداخل بيوتنا وعمق أنفسنا وكأنها خاصية من خصوصيتنا التي نتمتع بها بل وكأنها حق مكتسب مسلم به ولا يصح لأحد أن يجادلنا أو يناقشنا فيه.
عزيزي الأب: أختي الفاضلة باعتبارنا شركاء في بناء الوطن دعونا ننظر لهذا الأمر والذي هو غاية في الأهمية نظرة شاملة وواسعة وبعيدة كل البعد عن العواطف وما يتبعها من أفكار لا نجني من خلالها في نهاية المطاف إلا خسارة وخذلانا تجاه تلك الأمانة التي أودعها الله جل شأنه بأيدينا ونحن -لا ريب- مسؤولون أمامه -تبارك وتعالى- تجاه تلك الوديعة، لذلك يتوجب علينا أن نناقش ذلك الأمر برؤية وأفق واسع ملؤه البصيرة وأن نكون على درجة عالية من الموضوعية وأن نتجرد من كل ما من شأنه إفساد ذلك الشأن وفي حقيقة الأمر وباعتباري أبا ومعلما ويشرفني أن أسخر طاقتي لخدمة بلدي وأبناء مجتمعي وبمعية كل زملاء المهنة المحترمين الذين يخدمون الوطن بجغرافيته الكبيرة والمتسعة بكل تفاني وود وإخلاص، لذلك نقول ومن الواجب أن نخاطب أولياء الأمور الكرام بأننا بكم ومعكم جنبا إلى جنب جنودا مجندة لتقديم كل ما يلزم بالدفع بوطننا تجاه الارتقاء والوصول به إلى ذروة العلياء.
لذا؛ يصبح لزاما علينا أن لا نضيع الوقت والذي هو محدود بطبيعة الحال فنحن أمام منهج موزع بطريقة مدروسة ومتقنة تحت إشراف رجالات مقام وزارة التعليم الموقرة والذين يتمتعون بخبرة فائقة ودراسات عالية وعلى مستوى متقدم من التجارب العلمية والعملية التي ينتج عنها ترجمة حقيقية وفاعلة على أرض الميدان التربوي داخل سور المدرسة إذ لا يمكن إدراك ذلك الوقت المخصص لإنهاء ما حوته تلك الكتب الدراسية إذا ما التزمنا وحافظنا على تلك الفترة الزمنية المحددة؛ لهذا نقول من غير المنطق والمعقول أن نكون نحن من يساهم بشكل أساس في ضياع ذلك الوقت بحجج واهية وغير مبررة في كثير من الأحيان وخلق أعذار لا تمت للمنطق بصلة بل لا تغني ولا تسمن من جوع، ناهيك عن إيجاد مسببات ضعيفة جدا لكثرة الاستئذان اعتاد البعض عليها بشكل شبه يومي وهذا بطبيعة الأمر يؤدي إلى فقدان الأبناء معلومات ومهارات كثيرة ربما لا يمكن إدراكها مستقبلا مما ينتج عنه هبوط حاد في المستوى التحصيلي للطالب نهاية العام وبالتالي سنجد الأبناء في معضلة حقيقية وخصوصا في المرحلة الجامعية ونصل بعدها لمنعطف خطير لا تحمد عقباه قد يصل بذلك الفتى لعدم القدرة على مواصلة دراساته العليا.
وأخيرا لك أن تتخيل أخي ولي الأمر صعوبة هذه الفرضية إن تحققت -لا سمح الله- فسيكون ابنك قد وقع في مأزق مظلم يصعب مغادرته والخروج منه لذا؛ نؤكد على مراجعة ذواتنا بما يتعلق بهذا الطرح فأولادنا هم أعز ما نملك واليوم استثماراتنا الحقيقية في شخوصهم من خلال دعمهم دراسيا وتأهيلهم وتذليل كل الصعاب التي قد تعترض طريقهم والدفع بهم قدما لتمكينهم بما يكفي من تلقى العلوم والمعارف ليكونوا عونا وسندا لأنفسهم وأسرهم ودولتهم، فالأوطان لا تنمو ولا ترتقي إلا بسواعد أبنائها فكلما أنتجنا شبابا متعلما مؤهلا ومثقفا ومبدعا كلما وصلنا لمستويات ذات جودة فائقة ومتينة في جميع المسارات العلمية المختلفة، لنصل بعدها لما هو منشود لوطن أكثر عزة واقتدارا، ونتبوأ مكانة محترمة وموقرة بين سائر الأمم وينظر لنا بشموخ يعانق عنان السماء.
نسأل الله جل في علاه أن يوفق الأبناء فتية وفتيات لما يحب ويرضى وأن يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية والصلاح وأن يسدد خطاهم ويمدهم بعونه وتوفيقه اللهم كن لهم خير معين واحفظهم يتخير الحافظين إنك ولي ذلك والقادر عليه يا أكرم الأكرمين.