الجزع والهلع أمران متعارفان في المجتمع، فالفرق اللغوي واضح بينهما، فالهلع هو الخوف الشديد حد فقدان التركيز الكلي، أي يصبح العقل في حالة تركيز جزئي،أما الجزع فهو حالة ممزوجة بين كره الشيئ والملل منه.
وليس هناك سبب وحيد لجزع الإنسان كما هو الحال في كل الحالات النفسية، فقد يكون هناك سبب مهم وبارز، ولكنه لا يمكن لا هو ولا غيره أن يكون هو الوحيد، ومن خالف ذلك فقد جهل.
الأمور التي تجعل الإنسان مسيطرا على نفسه في حالة الجزع أو الحالة التي يجزع منها، هي أيضا حالة شبه مفتوحة تتعلق بتراكمات هذا الإنسان وصفاته الذاتية، ولكن يمكننا القول إن من ذلك:
1- كونه قوي التركيب والشخصية: ثابتا عند المتغيرات الشديدة، أي قوي من الداخل.
2- كونه واضح الرؤية: فالرؤية الواضحة للأمور وأبعادها تساعد الإنسان أيضا على ضبط نفسه بعكس الرؤية المشوشة التي لا تستقر معها النفس.
3- مدى تزود الإنسان بالتقوى: ومدى بقائه على العقيدة والولاء لله،فالتقوى كشرط أساسي بالإضافة إلى العوامل الخلقية في النفس تجعل الإنسان محصنا من أن يجزع في موارد يجزع فيها غيره، لأن تعلقه بالله أكثر، وصفات الله ومعايشتها لديه أكثر، فتهون عليه هذه الموارد.
4- نوع التأثير والمصيبة ومدى قوتها: فمن الطبيعي أنه مهما زادت قوة المصيبة زادت القابلية للجزع.
5- تكرار المصيبة، وهل أن الإنسان قد ألفها من قبل أم لا؟ والألفة هنا قد تكون نافعة وقد تكون ضارة، أي تفيده في تجاوز المرحلة بسبب التجربة، وقد تعمل على العكس بسبب التراكم السلبي للوضع السيئ نفسه، فتكون نفسه قابلة للجزع أكثر.
أما الهلع: فقد عرفنا وقلنا إنه الخوف الشديد،
وليس الخوف وحده، بل الهروب من الخوف، فالخوف حالة مطلقة.
إذن لا يبقى جواب إلا أن هذا الشعور زرعه الله -سبحانه وتعالى- في النفوس لكي تفزع إلى الله؛ لأن فرضية الله والماهية المعروفة لله فكريا هي أنه محيط بكل شيء وفوق كل شيء، إذن بعد هذا الجهل توجد مرحلة معلومة، وهي الله، إذن الغاية تجاوز هذا الجهل عن طريق الرغبة في الله، وتجاوز هذا التوجس وهذه الرهبة للوصول إلى الاستقرار والسكينة والطمأنينة في ملكوت الله، أي مقابل هذا التوجس وهذه الرهبة والهلع توجد سكينة وطمأنينة واستقرار.