يجب على المسلم-كقاعدة عامة- عندما يتعامل مع أخيه المسلم ظاهرا أن يحضر حسن الظن، ولكن هذه القاعدة بدويا غير واقعية، إذا أخذناها كقاعدة شاملة مطلقة، فحسن الظن هذا ألم يوقع كثيرا من الناس في الخسارات غير المتوقعة؟! أيكون حسن الظن هذا في مجتمع يغلب عليه الأنانية والانشداد وراء المصلحة الفردية أينما كانت وبأي وجه؟ أي أن حسن الظن في مجتمع لا يدين أفراده بالإيمان الحقيقي؟ ألا يعتبر هذا الظن الحسن سذاجة في مثل هذه الظروف؟ إذن يجب ألا نأخذ القاعدة على اختزالها دون ربطها بالواقع ومع بقية النصوص التي توضحها.
إن حسن الظن بالمسلم لا يتناقض مع إمكانية الاحتراز والعمل بالحيطة للاحتمالات السيئة، بمعنى يجب على المسلم أثناء تعامله مع المسلم أن يكون حسن الظن محتاطا، أي أمر بين أمرين، أي أن هناك معادلة يزداد نصيب حسن الظن في هذه المعادلة كلما زادت أخلاق المسلم الآخر ودينه، وزاد شيوع الالتزام الديني في المجتمع والبيئة، والعكس بالعكس. روي عن الإمام الهادي (ع) أنه قال:(إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن يظن بأحد سوءا حتى يعلم ذلك منه، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيرا ما لم يعلم ذلك منه).
وذكرنا هنا مفردة البيئة، لأن حسن الظن لا يعني انحصاره في التعامل المباشر مع الناس، بل أيضا في تصرفاتهم فيما حولهم أي مع البيئة عموما، فإذن حسن الظن مرغوب عندما تتعامل مع إنسان يريد فعل أمر ما في المجتمع، ولكن الاحتراز أيضا مطلوب، ولا مناقضة في ذلك، وحسن الظن تزداد نسبته وتنقص حسب الشروط السالفة.
إذن لا ضرورة لسوء الظن، والاحتياط واجب في التعامل ووضع نصب العين احتمالين كل منهما وارد الوقوع، احتمالية الصدق واحتمالية الكذب، واعمل لكل احتمال احتياطات، فهذا لا بأس به، وهذا هو السلوك الصحيح والطريق الأسلم بين أذية النفس ودفعها وبين أذية الغير عن طريق ظلمهم في الحكم، وأيضا دفع ذلك وبالتأكيد ينطبق ما ذكرنا على سلوك الأنظمة السياسية في دول العالم، فمن السذاجة أن نجعل حسن الظن بنسبة قوية أساس التعامل مع الدول المعادية للدين والإنسانية،أما إذا كان سوء الظن حالة مرضية يكثر فيها الإنسان من الظن السيئ بالآخرين، فهذه حالة سلبية في النفس تعود لأسباب كثيرة، قد يكون منها كره الناس أو المحيطين لأسباب شخصية، أو قد يكون السبب تجربة خاسرة ومؤذية لهذا الشخص، وقد تعرض له من إنسان آخر أو غيرها من الأسباب، فسوء الظن نتيجة، وأسبابها كثيرة.
والعلاج المفيد لهذه الحالة هو الحب والمودة بين الناس، فمودة المسلم مودة واجبة أوجبها الله، وعندما يوجب الله عاطفة قد يبدو ذلك أمرا غير منطقي ظاهرا، لأن العاطفة مسألة غير إرادية فكيف يوجبها الله؟ الواقع أن المسلم عندما يسمع بأن الله حث أو أوجب هذه العاطفة فإن الميول النفسية في داخله تتغير باتجاه تكوين هذه العاطفة، بمعنى أنه حتى هذا الوجوب والحكم يؤدي بصورة أيضا لا إرادية وداخل النفس إلى نشوء هذه العاطفة، والعكس أيضا صحيح من ناحية كره الفاسق أو أولياء الشيطان وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة المؤمن لا يحتاج إلى أن يتذكر أن مودة المسلم واجبة، لأن قلبه كعقله بناؤه صحيح، والله ولي التوفيق.