محطة استثمار:
لعل الحديث عن استثمار المال في القضايا التجارية يقرب للأذهان فكرة الربح والخسارة وكيفية إدارتها بعين الحذر والرقابة والتنمية، إذ يعمل الفرد جاهدا على توفير بيئة اقتصادية واستثمارية لرأس المال الموجود عنده مع الحرص على تجنب المغامرات غير المدروسة والتي يمكن أن تطيح به فتورثه الخسائر.
ورأس المال الإنسان الحقيقي هو عمره وقدراته التي يوظفها في طريق تكامله ورقيه وصناعة شخصيته وتأطيرها بالمكانة اللائقة، وهذا الاستثمار يعني اكتشاف مواطن القوة عنده وما يمتلكه من قدرات وإمكانات ليسعى إلى تنميتها وصقلها بالخبرات والتجارب، لذا فهو يحتاج في طريق معرفة نقاط القوة والضعف عنده وأعداء نجاحه الذين يمكنهم إسقاطه، لا بد من دورات تدريبية معرفية وسلوكية يتمرس من خلالها على الحفاظ على أهدافه المرسومة وتجنب مواطن الخطأ والتقصير، وشهر رمضان فرصة ثمينة لتنمية واستثمار القدرات في أجوائه الإيمانية والروحية والاجتماعية، محطة يتوقف معها على سجل أفعاله ومحاوراته ومواقفه فيحاسب نفسه ويبحث عن نقاط القوة والمكتسبات المزينة لطريقه التكاملي، ويكتشف نقاط الضعف كالتكاسل وضعف الهمة وموائد الشيطان المشارك فيها كالغيبة، ومنطلق يبدأ فيه ميدان العمل متسلحا بالمعرفة والصبر والرقابة الذاتية على جوارحه، فنحن أمام موسم تزدهر فيه الجوائز السنية لمن هرع إلى محراب الطاعة والتزام الخلق الرفيع في التعامل مع الآخرين، وسنكتشف الكثير من الأوقات المضيعة والجهود المبعثرة دون أن تعود علينا بفائدة تذكر، فساعة الزمن أزف وخاتمة الأعمال هي محطة الفروقات والتمايز بين الناس، والفرصة تتجدد أمام المقصر والبعيد عن ساحة الحق ليعود ويؤوب ويغير من نفسه إيجابيا ويتخلى عن العيوب والنقائص التي أضحت سلوكيات مستمرة عنده، فإعادة الحسابات والانطلاقة الصحيحة-وإن كانت من بدايات الأمور- تعني مسارا صحيحا وإن تأخر بعض الوقت وفاته الكثير من الخيرات والبركات، فتطهير النفس من شوائب الأهواء والشهوات المتفلتة والقلب من المشاعر السلبية والكراهيات والخصومات مع البعض، ستعيد له ألقه وتوازنه الروحي والوجداني ويبدأ طريقه ببصيرة واضحة.
فعلاقته بالله تعالى وضعف همته في محراب الصلاة والمناجاة قد سلبه اليقظة الروحية وتأنيب الضمير والنفس اللوامة، كما أن بعده عن باب التوبة والاستغفار جعل ارتكاب الذنوب محقرا في نظره وأحاطه بالغفلة عن النقمات والسخط الإلهي، وعلي المستوى الأخلاقي فإن روح التواضع والانبساط في الحديث مع الآخرين ينتج عن ممارسة وتهذيب للنفس وانتزاع للتكبر والأنانية، ونزغات الشيطان الرجيم الاجتماعية والتي أدخلته في أتون الخصومات والمشاحنات تحتاج إلى مصارحة مع نفسه، ونظر إلى مستقبله الأخروي حتى يتحلى بالتسامح وقبول الاعتذار.