التغيير في أحوالنا ومسار علاقتنا بالله تعالى والانتشال من حطيط المعاصي الذي وصلنا إليه ، يبدأ بقرار نتخذه متحلين بإرادة قوية تتجاوز حالة الخمول والكسل والغفلة واستمراء الآثام ، فالبقاء في وحل الشهوات والأهواء يحرمنا من الفيوضات الرحمانية وأهمها الحرمان من لذة المناجاة والإقبال على الله تعالى بإخلاص وخشوع ، والطريق إلى إحداث تغيير جوهري هو الاتصال بالخالق واستشعار حالة الافتقار إليه ، في أجواء روحية تحفها حالة اليقظة الروحية عن طريق المناجاة والأدعية ، حيث يبدي المرء الانكسار والتحسر على ما مضى من الأيام الخوالي، وقد كان ظالما لنفسه باقتراف الذنوب ، نعم لقد كان مفارقا لتوجيه عقله الواعي حين استجاب لغرائزه الدنيئة دون النظر إلى العواقب المترتبة عليها وفداحة ما سيلحق به من خطر كبير بعصيان الخالق العظيم ، فجهله بعظمة الباري -عز وجل- جعله يخاطر بنفسه وبمستقبله الأخروي ، وأي جهل وقع فيه أعظم وأفدح وأبشع من معصية المنعم والمتفضل عليه !!.
جهله دعاه إلى تفضيل اللذة الفانية إذ يقضي منها نزوته لفترة محدودة ويبقى حاملا وزرها وتبعاتها ، في مقابل ذلك ما ضيعه على نفسه من رضوان ونعيم أعده الله تعالى لمن التزم طريق الرشد والاستقامة والخشية من الله تعالى ، فيتوجه إلى خالقه في حالة من الانكسار وييمم وجه رجائه نحو نظرة رحمة وتحنان من أرأف وأرحم الراحمين ، فيتطلع إلى قبول توبته التي أبداها بعد اعتصار قلبه أسفا وتحسرا على ما مضى من غفلته وتقصيره ، فتلك النفس المتمردة والمتجرئة على اللهث خلف النزوات وحياة التفلت قد امتحت صورتها ، وتبدلت إلى صورة أخرى ملؤها الخشية من الله تعالى والطهارة من دنس الآثام واتباع الضمير الحي في كل خطواته .
يتوجه المرء إلى ربه سائلا المغفرة والتجاوز عن غفلته وما ارتكبه من ذنوب تسود صحيفة أعماله ، في وقت قد أزفت فيه أيام شهر شعبان والذي شارف على الرحيل ليبزغ بعده هلال شهر رمضان ، وهذا الاستشعار بفوات فرصة ثمينة وعظيمة في شهر شعبان والذي يعد الممر والمحطة الأخيرة قبل دخول بوابة الشهر الكريم ، يدل على يقظة تؤسس لحالة محاسبة للنفس وإحساس بحركة عقارب الساعة والتي تكشف له الكثير من الأوقات التي ضيعها ولم يستثمرها في ساحة الطاعة ، فهناك من تمر عليه المناسبات الزمانية دون أن تنشط نفسه لاقتناصها وتحويلها إلى ساحة عبادية يروض فيها نفسه ويهذبها من شوائب التقصير والأخطاء ، فهو وإن عاش ردحا من الزمن في حالة الغيبوبة الفكرية والسلوكية بسبب سكر المعاصي ، لكنه يستقبل مرحلة من التغيير في طريق الإنابة والرجوع إلى الله تعالى ، وهذا يدل على ما يتحلى به من عقل وإرادة في مواجهة تزيين الشيطان الرجيم ، وها هو يقف بين يدي محاسبة النفس والمراجعة الذاتية لخطواته وتصرفاته؛ ليوقف مسلسل الجرأة على محارم الله تعالى والخسائر اللاحقة به ، فما فات قد ولى ولا يمكن تعويضه أو تغييره إلا من خلال التوبة الصادقة والندم الحقيقي على سوء حاله والبكاء على نفسه ، وها هو يشمر عن سواعد الهمة فينفض عنه غبار الجهالة والغفلة للتعويض والتبديل ، فالشيطان الرجيم يقف على جادة طريق العبد ليحجزه ويمنعه من التوجه إلى راحة نفسه وخلاصها من ربقة الشهوات والانعتاق من أغلال المعاصي ، فيعمل على تأييس المذنبين من تغير حالهم وقبول توبتهم ويكبر عليهم الرجوع إلى الله تعالى .
في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق الشهر الكريم يعمل المرء على الاستعداد والتهيؤ لمقدم شهر البركة والرحمة والمغفرة والجوائز السنية ، و هو فرصة ثمينة لا تعوض فيبذل جهده للتخلص من شوائب الذنوب المانعة من إخلاص العمل ، فهناك من أنقذته هزة الضمير فاستيقظ من سبات الغفلة وصعب عليه حال نفسه التي ستقدم على الجبار في يوم الحساب وقد تلطخت بالآثام ، ولكنه تبصر طريق الخلاص وأعلن في محراب المناجاة والدعاء تغير حاله فانتشلها من الهلاك ، إنه يتمسك بحبل النجاة المتمثل بالاستغفار الحقيقي المصحح لمسيرته ، فيعزم على ترك الذنوب مستقبلا بالحذر من أسبابها .
ورد عن الإمام الرضا (ع) : اللهم إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان ، فاغفر لنا فيما بقي منه )( وسائل الشيعة ج ١٠ ص ٣٠١ ) .