مفهوم التطنيش يعني الابتعاد عن مسببات المشاكل والتوتر ومدخلات الاحتكاكات والخصومات مع الآخرين، وهو في جانب مهم منه يحمل السمة الإيجابية ويدل على المستوى لعقلائي المتميز عند الشاب، حيث إن الكثير من الجهود والأوقات الثمينة قد تهدر دون الاستفادة منها؛ بسبب الانشغال بأمور غير مفيدة وتأتي بخسائر فادحة عليه، ولكن توسيع بعض الشباب لهذا المفهوم ليتداخل مع مبدأ تحمل المسئولية أدى إلى العزوف عن التفكير في إيجاد حلول ومخارج لما يواجهه من عراقيل وصعوبات، بل وأورثت الشاب تبلدا أمام رسم أهدافه المستقبلية واكتشاف ما يتمتع به من قدرات تساعده على شق طريقه في الحياة وتحقيق إنجازات تثبت معالم وجوده الفعال.
الحياة أخذ وعطاء والعلاقات كذلك حقوق وواجبات ولا تسير بنحو الانفرادية والأنانية والمزاجية المتقلبة فضلا عن روح الاعتداء والتطاول، وهذا ما يشير له مفهوم تحمل الشاب المسئوليات في جميع أبعاد شخصيته المعرفية والاجتماعية والأخلاقية بنحو التهذيب والاحترام لوجوده قبل احترام وجود الآخر، ومتى ما آثر حياة التفلت والحريات المغلوطة والتي تشير- حسب زعمه- إلى فعل كل ما يحلو له وإن سبب ضررا وألم للآخرين أدى ذلك إلى خسائر تحيق به وبالمجتمع، وهكذا ينظر إلى الأنظمة التعليمية والمرورية والآداب الاجتماعية إلى أنها تقييد لحريته، فيعمل على تجاوزها وعدم التقيد بها وينظر إلى تصرفاته بنحو الافتخار والاعتزاز كمن يحقق انتصارا واهما ويرسم شخصية له تتميز بالقوة والاقتدار وعدم الاكتراث والاهتمام بما يحدثه من أضرار وتلفيات مادية أو معنوية، كما أنه لا يتقبل أبدا مفهوم العقاب والمجازاة على ما يرتكبه من تجاوزات في محيطه الأسري والاجتماعي ويقابل ذلك بالتمرد والعناد كوحش فالت يضرب يمينا وشمالا كل ما يجده أمامه من قيم وأنظمة!
وفي محيطه الأسري والدراسي -بلا شك- أنه لا يقوم بالواجبات الملقاة على عاتقه ويحاول بدلا عن تحمل مسئولياته إلى إبداء الأعذار الواهمة، والتي يجد فيها الكذب مصداقا يقيه من تحمل التبعات على أفعاله غير المسئولة، كما أن هذا الشاب يميل إلى حياة السهولة والسرعة في الأداء بأي نحو كان، فتجده يتهرب مما عليه من مسئوليات منزلية ويلجأ إلى الغش في اختباراته ويستعمل كل وسيلة ملتوية تحقق الواجب عليه ليتخلص من المجازاة، ولا يخفى ما سيكون عليه مستقبلا، كشاب موظف يتميز بالاستهتار والتكاسل عن أداء ما يجب القيام به في مهنته، وعلينا أن نبدأ مبكرا في تربية الشاب على مبدأ تحمل المسئولية وبلا شك أن البداية تكون من المحيط الأسري.
من عوامل تنصل الإنسان عن مسئولياته هو تميزه بروح الأنانية وتضخم الذات فلا يشعر بمن حوله، وهنا يأتي دور الوالدين في إشاعة روح التعاون والعمل المشترك بين الأبناء في المنزل، كما أن المشاركة الجماعية في المدرسة مع أقرانه الطلاب يعتاد من خلاله على المساعدة والمساندة، وينطلق منه إلى الاهتمام بأحوال غيره وتقديم المساعدة له فضلا عن قيامه بالواجبات عليه، فهذه التربية والاهتمام يقينا من حالات الاستهتار عند الشباب وخصوصا على مستوى العلاقات الزوجية، فمن العوامل المؤدية إلى بروز المشاكل بين الزوجين هي حالة اللا مبالاة والتقصير في أداء الواجبات الأسرية، ولذا؛ نجد بعض الشباب والفتيات يعزف عن الزواج والذي ينظر إليه كتقييد لحرياته المزعومة، والحقيقة أنه لا يريد تحمل المسئولية والانضباط في علاقات يتحمل فيها الواجبات الزوجية، بينما هو كشاب وفتاة يريد الحياة اللا مسئولية وممارسة أوقاته في اللهو والترف دون اكتراث لشيء آخر.
الظروف الحياتية الصعبة يتعامل معها الشاب والفتاة بلونين متغايرين بحسب التربية التي تلقاها في محيطه الأسري والثقافة التي اكتسبها من خلال أصدقائه وبتداولان في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من يكتسب المخاوف والقلق المدمر والذي يتحول إلى بتبع يشكل له رؤية التشاؤم، وأما أن يكون صاحب إرادة وفكر يتعامل مع الصعوبات كتحديات مع قدراته وإمكانياته، ويحمل طموحا وآمالا يسعى لتحقيقها، فيواجه تلك الصعوبات بروح المسئولية فيواجهها بكل اقتدار.