تنتاب العلاقات الأسرية والشخصية خصوصا بين الأرحام حالة من التذبذب والقطيعة لأسباب عديدة خصوصا مع الأشخاص الذين دأبوا على وصال أرحامهم وأصدقائهم، وإغداق المودة على غيرهم.
ولكن الطامة الكبرى أن يوجه القاطع والمقصر العتاب إلى الواصل والمتمم في جنبات تعامله في فترة ما تسببت في تقصير الوصال أو اللقاء، حينها تختلج في الإنسان علامات استفهام عجيبة تجاه هؤلاء الناس:
أليس من الأولى أن يبادر الواصل والمتمم بعتاب القاطع والمقصر؟!!.
هل العتاب جاء من باب المحبة وترجمان المودة!؟
أليس الواصل والمتمم يعمل بأخلاق الأنبياء، والمقصر والقاطع يعمل بخلجات الأهواء؟!!.
هل ترجمان المحبة له: إلقاء اللوم عليه، أم بمبادرة المودة في السؤال عنه؟!.
أليس من أدب العلاقات أن يسأل عن أحوال من غاب عن العين بدل توجيه العتاب إليه؟!!.
لماذا (يا) المقصر تجر (س) من يريد وصاله من الناس، وتسكن في جر (و) واصل الأرحام؟!!.
إنها معضلة حقيقية تنتاب كثيرا من العلاقات الأسرية والرحمية، ولعل جملة من أسبابها: أن كثيرا من الناس تعود على أن يأخذ ولا يعطي، وأن يوصل ولا يصل ، ويزار ولإ يزور .
وهذا نتاج عدة أسباب منها: المصالح الدنيوية، وتغير ترتيب سلم الأولويات بحيث تصبح العلاقات الرحمية في آخر الاهتمامات، والأنا والتكبر، والتنكر للمعروف، وأسباب أخرى كالنزاعات على الإرث والاختلافات وغيرها.
لذلك تجد من يبرر لنفسه التقصير بينما لا يخلق لغيره العذر ، ولعلك في مواطن عديدة تقبل من بعض الناس تقصيرهم أو عتابهم لأن مستوى عقولهم بسيط لا يستوعب أدب العلاقات وأخلاق التعاملات.
لكن من المؤسف أن يوضع الإنسان الواصل والأكبر سنا، والواصل لرحمه ولغيره، والمتفضل في قضاء حوائجه في موضع الملام،بينما يصبح المقصر والصغير والقاطع لرحمه ولغيره في موضع المعاتب، وأسوأ من ذلك أن بعض هؤلاء المعاتبين يحمل شهادة جامعية في علم دنيوي لكنه جاهل بمعنى الكلمة في أدب العلاقات !!.
من هنا كان الإنسان المكمل لنفسه بحاجة أن وضع ضابطة في حدود تعاملاته، بحيث لا يصبح في موضع الإفراط أو التفريط، والعمل بأخلاقه لا بأخلاق غيره، والحرص على الالتزام بالصمت، والعمل بقاعدة راقية من فيض الآداب وهي: عدم توجيه العتاب لأي أحد سواء كان قريبا أو بعيدا ؛ لأنها صمام الأمان في أن لا يتعرض إلى إحراج أو يوجه له عتاب.