القلب السليم هو الضمانة الأكيدة للوصول إلى حياة سعيدة يتجنب فيها الفرد موارد المنغصات والتوترات المؤدية إلى الإحساس بضيق العيش وتنكده والحرمان من التمتع باللحظات والمشاعر الجميلة، ومن جهة أخرة هي صمام الأمان لعلاقات أسرية واجتماعية ناجحة تخلو من المشاعر السلبية والشحناء المؤدية إلى كوارث الخلافات والخصومات، ولا يخفى على أحد ما هي الآثار النفسية والوجدانية على الفرد عندما يعاني من اختلال واضطراب في علاقاته، بسبب الحساسية المفرطة والنفرة من الآخر بسبب أي سوء فهم أو حتى خلاف بسيط معه، فالنتيجة المؤكدة هي تحول مشاعره إلى السوداوية فلا يتحمل وجهة نظر لا يتناسق معها، فضلا عن صدور الهفوة والإساءة تجاهه فهذا يعد معيارا يشرعن عنده الهجوم المضاد اتجاهه والذي يحمل معه رياح الكراهية وعدم تحمل الحديث المباشر معه، فضلا عن النقاش معه والذي سرعان ما يتحول إلى صراع ديكة وتلاسن ساخن.
وهذه الصورة الواضحة لمقطع نشاهده كثيرا في يومياتنا تدعونا إلى التفكير الجاد في سحب هذا المنبع للخلافات وتجفيف منابعه من قلوبنا، فكما يقال بأن الوقاية خير من العلاج المستتبع للمعاناة والمتاعب وعدم اليقين بالشفاء التام منه، فالدخول في المناكفات والنقاشات الساخنة والتي تتحول شيئا فشيئا إلى خلافات شخصية يشكل أذية نفسية وعاطفية تجلب المتاعب وتسبب الشعور بالضيق والكآبة، فمجرد الخلاف حول فكرة أو ظاهرة أو سلوك فهذا يعني الفرز والتمايز إلى معسكرين يتراشقان فيه مختلف الكلمات القاسية والجارحة، وهذا الداء الاجتماعي نجد له انتشارا وتوسعا بسبب الضغوط الحياتية والمشاكل المتراكمة دون البحث عن حلول ممكنة لها، وعلينا البحث عن العوامل المؤججة لنوبات الغضب والانفعال والمشادات والمناوشات لتجنب الوقوع فيها أو الخروج منها سريعا متى ما وجدنا أننا وقعنا في إحداها، فالفعل وردة الفعل أساسها ما نمتلكه منضبط النفس والإرادة والحكمة في الكلمة والموقف من عدمه، ولذا ينبغي علينا الالتفات إلى أن الظروف الصعبة والشخصيات الاستفزازية تكون مصدر نوبات الانفعال واستفزاز مشاعرنا، فإذا لم نمتلك القدرة على الاتزان النفسي والسلوكي فسينجم عن ذلك مواقف وكلمات قاسية أو بذيئة نؤذي بها من نحبهم ومن يحيطون بنا، والندم الشديد عليها بعد ذلك لن يغير من الواقع المؤلم وسيفقدنا الكثير من المكتسبات والعلاقات، والحذر والتنبه قبل صدور الفعل وودة الفعل لا ندعي أنه بالأمر السهل ولكنه ليس بالمستحيل، بل متى ما تعودنا وتربينا على التأني وتجنب اتخاذ المواقف والقرارات المتسرعة والمتخذة في لحظات الانفعال فإننا سننعم بمواقف عقلائية ومنطقية.
التهور وصدور الكلمات المتفلتة والمواقف المتهورة ليست قدرا محتوما علينا لا مفر منه، بل الأمر يخضع لمكنونات النفس والملكات المودعة فيها مما يؤدي إلى تجنب الخسائر ومحطات الندم غير النافع، وبالمشاهدة الوجدانية نشاهد تفاوتا بين الناس من حولنا في أفعالهم وردات أفعالهم تجاه الحركات الاستفزازية والوقوع تحت ضغوط الأزمات اليومية التي يمرون بها، وبلا شك فإن الإعجاب والجاذبية حظ عظيم يناله من يتمالك أعصابة فلا يقع ضحية للحظة غضب غير معروفة العواقب الناجمة عنها، ومجانب للصواب ومن الوهم ما يزعمه البعض من أنه بشكل لا إرادي يتفاعل ويخرج من طوره وينقلب إلى مسخ شيطاني يصدر منه كل أنواع الشرور دون شعور، وذلك أننا نجد نماذج فاعلة وحية نتخذها قدوة لنا ونسير على نهجها الأخلاقي كما نقرأ في سيرة أفضل الخلق الرسول الأكرم (ص)، حيث كان خلقه العظيم حاضرا ومؤثرا في حركة الهداية والصلاح وانتزاع بذور الشر والعدوان في قلوب الكثير ممن تأثر به (ص).
ورد عن أمير المؤمنين (ع): أخر الشر، فإنك إذا شئت تعجلته» (نهج البلاغة ج ٣ ص ٥٦).