قال الله تعالى: * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون * الأعراف: آية (٩).
قال السيد الطبطبائي في تفسيره الميزان ج٨ ص ٢٠٢: مكر به مكرا أي مسه بالضرر أو بما ينتهي إلى الضرر وهو لا يشعر وهو إنما يصح منه تعالى إذا كان على نحو المجازاة كأن يأتي الإنسان بالمعصية فيؤاخذه الله بالعذاب من حيث لا يشعر، أو يفعل به ما يسوقه إلى العذاب وهو لا يشعر، وأما المكر الابتدائي من غير تحقق معصية سابقة فمما يمتنع عليه تعالى.
وللفهم والدقة نقول: إن "مكر الله" بشكله العام يشير إلى الفكرة الإسلامية بأن الله قادر على التلاعب بالأحداث وتوجيهها بطرق تفوق فهم البشر.
وكل المسلمين يعتقدون أن الله هو الخالق والمدبر النهائي للكون، وأن قدرته تتجاوز قدرة البشر العادية على فهم وتحليل الأمور.
والجدير بالذكر كما قيل: إن "مكر الله" لا يشير إلى أي نوع من الغش أو الخداع، بل هو تعبير يعكس الاعتقاد بأن الله يمتلك حكمته وقدرته الكاملة على تدبير الأمور وتوجيهها بطرق تفوق حدود البشر.
لذا وجب التنبيه لأصحاب القوة والعضلات بالقوة البدنية أو بقوة القلم بالكتابة أو الشاعر في شعره، أن لا ينزلق في مزالق الشيطان ويصيبه مكر الله تعالى.
قال الإمام الصادق (ع): "إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر به" (تحف العقول).
وهنا يمكن تلخيص تفقد العبد لأخيه في عدة صور منها:
- تتبع عثرات الناس في مواقعهم أو مساراتهم بناء على مؤشرات يعتقد بها الكاتب أنها صحيحة أو الشاعر أنها واقعية، وهما بعيدين عن الصحة والواقعية فهنا يمكن أن يمكر الله به من حيث لا يعلم.
- الحديث عن الآخرين بما يشوه سمعتهم ويدني مواقعهم ويخلط في الأمور كخلط العجين الرديء من الطيب، وينصب شخصا على غير ذي تقوى، ويرفع الآخر المشهود له بها، كل ذلك استشفافا لنفسه ورضا من حوله، مستقلا عدم الرد عليه من أصحاب القوة أو الفكر أو العاملين بإخلاص.
يحسب نفسه على صواب والآخرون على خطأ جم، وهنا فليعلم هذا وغيره أن الله مكر به وسيستدرجه من حيث لا يعلم.
كم شخصا -رب العالمين- لقنه درسا لا ينساه أبدا على قاعدة المكر، لكن قليلا منهم فهموه ووعوه، ومنهم من وعاه لكن يتجاهله.
أحدهم فقد أعز أبنائه، أمه، أخوه، زوجته وهذا بسبب المكر والاستدراج منه سبحانه، وآخر فقد ماله وشركته ورجع للصفر يلملم جراح ما خاطته أنامله ولسانه في ظلم الآخرين والحديث عنهم بسوء، هذا هو المكر والاستدراج بحيث لا يعلم.
وآخر فقد جاهه وسمعته ونزل الحضيض وكل ذلك بسبب تعديه على الآخرين بالكلمة الماجنة أو الكاذبه أو المشوهه.
كل ذلك وأكثر من مصادقي نشاهدها اليوم والله لا زال في حالة المكر والاستدراج لكن أكثرهم لا يعلمون.
توصيات:
- وقف الكتابة والشعر وغيره عن الناس والحديث عن شؤونهم الخاصة والاجتماعية أيضا والنزول لأرض الواقع ومخالطتهم والجلوس معهم وتذليل كل ما هو محط خلاف.
- استبدال كلمة التشويه إلى الكلمة الحسنة واللطيفة والتشجيع ورؤية أعمال الآخرين رؤيه حسنة وصائبة، وإن حدث خطأ من هنا أو هناك ممكن إصلاحه.
اجعل نفسك مكانهم في موقع كلامك الصارم عليهم، أي بدل أن تسل سيفك على أخيك سله عليك أولا وتحدث مع نفسك وسترى أن أخيك على حق وأنت ربما على باطل.
هداك الله وهداني وهدى الجميع إلى ما فيه رضا الله سبحانه.