في خضم هذه الصعوبات والحياتية والظروف الصعبة المصاحبة لنا والعثرات ، كيف يمكن لنا أن نتنفس هدوء البال والراحة النفسية ، ومن ثم نشعر بجمال اللحظات وتنبض قلوبنا بمشاعر الحب الصادقة مع من يبادلونا المودة والاحترام ؟
بلا شك أن الشعور بالهدوء النفسي والتخلص من التوتر والانفعال هو أساس الحياة السعيدة والمعطاءة ، وتعد الطريق الأمثل لإقامة علاقات مستقرة ومثمرة وبعيدة عن المنغصات ، ولكن الظفر بهذه الحظية ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى خارطة طريق يتبعها الفرد ولا يحيد عنها ، فمثلا الدخول في النقاشات الساخنة والتي تتجه بنا نحو المشاحنات والخصومات ستكون مانعا من حياة هانئة ومطمئنة ، فإذا ما تجنبها الفرد وحذفها من قاموس تعامله وأحاديثه وعمد سريعا إلى التوقف عن أي نقاش عقيم ، فلا يرى نفسه في كل حديث وسجال بل ما هو مفيد ومثمر ويعود عليه وعلى الآخرين بالقيم المعرفية ، فحينئذ سينعم بالراحة النفسية بتجنيب نفسه تلك المؤثرات على انفعاله والسالبة لتوازنه النفسي والوجداني ، وكذلك التفكير العقيم في ضغوط الحياة والمشاكل التي نمر بها تعد عاملا معيقا للحياة الهانئة ، وذلك أن مواجهة المشكلة أو التهرب منها أو المعالجات الخاطئة تعد مفترق طرق بين القلق والطمأنينة ، فالتأجيل والتسويف يعد نوعا من إيجاد الراحة الوهمية وسرعان ما ينكشف الواقع عن وجود مشكلة لم تحل وبقيت باستحقاقاتها ، كما أن التهرب من المسئولية وتحمل تبعات المعالجة يراكم المهمات ويثقل عليك مستقبلا بما لا تستطيع مواجهته بسبب تقاعسك وتخوفك من المواجهة الجدية ، وأما ما يجلب الراحة النفسية ويبعد شبح القلق هو التفكير بطريقة عقلائية ومنطقية ، بعيدا عن الانفعالات الساذجة وندب الحظوظ الذي يبقيك في المربع الأول ودون التقدم بخطوة واحدة ، التفكير الصائب هو التعايش مع الواقع وإن كان مؤلما ومزعجا ومحبطا بسبب عدم الوصول إلى الهدف المنشود ، فالإذعان والإقرار بوجود مشكلة حقيقية هو بداية الإمساك بخيط الأمل وحلحلة الأمور بشكل إيجابي ، ومن ثم البدء في التفكير بحجم المشكلة ومآلها وتأثيرها والسبل المتاحة لمعالجتها قدر الإمكان والعمل السريع بتنفيذها متسلحا بالصبر والمثابرة .
وهموم الحياة ومكدرات النفس والتي تلقي بظلالها الثقيلة علينا فنشعر بالضيق والانقباض تتعدد ولا يمكن حصرها ، فقد يكون اليوم الذي ينشد فيه الراحة النفسية والسعادة ينقلب فيه المشهد إلى اللون القاتم بسبب احتكاك في محيطه الأسري أو الدراسي أو الوظيفي ، وقد يكون باستماع كلمة جارحة تنفذ في قلبه كالسهم الملتهب فيفقد حيويته ونشاطه ، وقد يتلقى من الأخبار ما يسوؤه وينغص عليه ويستمر معه خلال يومه أو أكثر ، وقد تعتل صحته فتضيق نفسه بسبب ثقل حركته ومعاناته من الألم البدني ، والعلاقات الاجتماعية عموما أو ما بين الأصدقاء قد يكدرها هفوة من أحدهم تستفز المشاعر ، وهكذا نجد أن المنغصات والمكدرات لصفو عيشنا تترصدنا عند كل منعطف في يومنا وعلى امتداد أعمارنا ، ولا مفر من التعامل معها بحكمة وهدوء حتى يتلافى مفاعيلها وآثارها السلبية عليه ، إنه مبدأ التعايش والتكيف مع الواقع المؤلم دون أن يسرق منا التمتع بالأوقات الجميلة والاجتماعات المؤنسة مع أحبابنا ، فما يمكن حله ومعالجته بنحو كلي أو جزئي يعمل جاهدا على تغييره ، وما لا يمكن دفعه يتعايش معه دون أن يدخل عقله في دوامة التفكير السلبي ، وخصوصا أن التفاوت في القدرات العقلية والسلوكية بين الناس متفاوتة ، فهناك الشخص السهل في تعامله وفي المقابل هناك شخصيات صعبة أو قاسية وعصبية أو مراوغة ، فإذا تعامل مع أحد هذه الأصناف حاول قدر الإمكان الحفاظ على هدوئه وتجنب الدخول معهم في أحاديث تستفزه وتغضبه ، فإن الطاقة النفسية لأحدنا تستنزف جراء التعاملات المختلفة والحوارات الحادة ولا تدع لنا مجالا للتعامل بأريحية بعد ذلك مع من نحبهم ويبادلونا نفس المشاعر الصادقة.
التعليقات 1
1 pings
ياسر
2023-11-11 في 11:50 ص[3] رابط التعليق
مقال لطيف وَمفبد
كما آمل التدقيق أكثر في الإملاء
وفقكم الله