العمر المبارك والعمل المثمر والجهد التبليغي من أجلى مصاديقه ما قام به الإمام الحسن العسكري (ع) في سبيل رعاية وهداية الناس نحو الحق والفضيلة ، و أثرى الساحة العلمية بتلك المعارف والأجوبة الشافية على الشبهات المطروحة في زمانه ، فوقى الناس من فتنة الاشتباه والضلال مما طرح من شبهات وإشكالات على المستوى العقائدي والقرآني ، ففي وقت تشعبت فيه الأطروحات والاتجاهات الفكرية برزت آراء من مفكرين وعلماء ، كانت ستسبب افتتانا عند الناس لحيرتهم في جوابها وحلها لولا وجود الإمام العسكري (ع) وتقديمه فصل الخطاب والجواب الشافي ، وبذلك مثل الإمام (ع) المرجعية الرشيدة لهداية الناس وقيادتهم نحو الحق والفضيلة ، فبذل جهده لتقديم كل ما يحتاجه الناس في كل الأبعاد الدينية والفكرية والاجتماعية ، فما أحوجنا لرسم معالم نهج الحياة الخالد والنهج الأخلاقي المورث للاستقامة والثبات ، إلى مطالعة سيرة الإمام العسكري (ع) وما ورد عنه من كنوز الحكمة قراءة تدبر واستنتاج واستخلاص للدروس والعبر ، فتطلعنا إلى الاتصاف بالشخصية التكاملية رفيعة الشأن يحتاج إلى بناء معرفي وسلوكي ، وهذا ما نجده جليا ومتجسدا في كلمات ومواقف الإمام العسكري (ع) ، فإنه من نقص الحظ والبوء بالانتكاسة الروحية والمعرفية أن نتدارى ونتجنب قبس الهدى وضياء الفيض من معالم مدرسة الإمام العسكري (ع) الصانعة للشخصيات القوية .
القوة والاقتدار في السير بخطى ثابتة ومتوازنة في ميادين الحياة ومجال التبليغ الرسالي يتمثل فيما قام به الإمام العسكري (ع) في سبيل انتشال الناس من ظلمات الجهل والحيرة ، وتوعيتهم بدورهم الوظيفي المناط بهم في الحياة والمتناسب مع مقام التكريم الذي أفاضه الباري -عز وجل- عليهم ، فلم تكن الظروف القاسية التي مر بها الإمام (ع) بالتي تثنيه عن دوره الرسالي أو أن تصيبه بالتعاجز والتخاذل -حاشاه- بل خاض بكل ما أوتي من قوة جنان، هذا الدور ومارس دوره الإرشادي للإجابة عن مسائل الناس من خلال ما يصله من وكلائه الثقاة ، وهكذا تخطى الإمام (ع) فكرة تغييبه عن الساحة العلمية والفكرية والدينية من خلال نظام التواصل مع قواعده ومحبيه عن طريق الوكلاء (العلماء الثقاة الذين نصبهم في مختلف البلدان) ، وهكذا أثبت الإمام (ع) مجددا قربه من الناس وتلمسه لحاجاتهم وشئونهم الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والارتباط معهم بتشخيصه للوظيفة الشرعية الملقاة على الفرد فيما أشكل عليه وغاب عنه جوابه ، فتلك الزوبعات الفكرية والشبهات العقائدية تلاشى دورها السلبي بإلقاء الحيرة والفتنة بين الناس ، فقد أوضح الإمام (ع) الموقف الصائب في التعامل مع تلك الشبهات من خلال تقديم الأجوبة المفندة لها ، ومن خلال تصديه المباشر للإجابة عليها والإيعاز إلى وكلائه والعلماء من تلامذته بتبليغ تلك الإجابات النيرة للمؤمنين .
كما أن الإمام العسكري (ع) وضع الخطوط العريضة للمنهج الأخلاقي والتربوي المهذب للنفوس من شوائب الأهواء وتحكم الغرائز المتفلتة في خطوات وتصرفات الإنسان ، فهذه كلماته وتوجيهاته تصب في طريق تعزيز القيم والفضيلة في النفوس واتصافهم بالخصال الحميدة ، و التي تعزز حالة الرقي والسمو الأخلاقي عند أفراد المجتمع والذي ينعكس بحالة إيجابية في تآزر وتعاضد الناس ؛ ليشكلوا جدارية منيعة وقوية من الثقة والتعاون والعمل المشترك في كل ما يصب في مصلحة الناس وإصلاح أحوالهم وقضاء حوائجهم وتوحيد صفوفهم .
كما أن الإمام العسكري (ع) كان مهتما بالشأن الاقتصادي وحاجة الفقراء المتعففين لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة ، حيث وجه الوكلاء بمتابعة هذا الأمر وتلمس حاجات الناس وتفقد أحوالهم المالية من أجل إيصال المساعدات المالية لهم ، وبذلك سد الإمام (ع) بابا قويا للانحراف والإجرام واضطراب الشأن الداخلي للمجتمع ، وذلك أن وطأة الفقر ستولد مشاعر الكراهية عند الفقراء وهم يرون الأغنياء يتنعمون بأموالهم وحالهم الميسور دون أن يديروا بالا لحالهم البائس ، وقد تؤدي هذه الأفكار والأحاسيس الشيطانية إلى الاتجاه للسلب والنهب .