جاء في حديثنا السابق بعنوان يا زهراء ( 1 ) وبعد استعراض زيارة مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام في ذكرى يوم استشهادها بأبي هي وامي أننا أردنا الوقوف على بعض الجمل التي جاءت في زيارتها عليها السلام ومن تلك الجمل التي أردنا الوقوف عليها هي ( اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الصِّدّيقَةُ الشَّهيدَةُ) (اَيَّتُهَا الْمَظْلُومَةُ الْمَغْصُوبَةُ) (ايَّتُهَا الْمُضْطَهَدَةُ الْمَقْهُورَةُ ) ( اَنّي راض عَمَّنْ رَضَيتِ عَنْهُ، ساخِطٌ عَلى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوال لِمَنْ والَيْتِ، مُعاد لِمَنْ عادِيْتِ )
للوقوف على هذه الجمل بالذات أردت استعراض جملة من الأحاديث التي تناولتها كتب الشريعة في حق مولاتنا الزهراء عليها السلام أولاً في كونها سيدة نساء العالمين ثم سأعرج إلى بقية الجمل فإليكم شرح ما جاء في كونها سيدة نساء العالمين أو ما يقاربها من ذلك المعنى ,
« فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » ، أو « سيّدة نساء هذه الأُمّة » ، أو « سيّدة نساء المؤمنين » ، أو « سيّدة نساء العالمين ».هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب
ولنسأل سؤال الان بعد هذا الاستعراض : لماذا مفردات الظلم والقهر والغضب المذكورة في الزيارة الشريفة وما الذي جرى على مولاتنا الصديقة بعد رحيل والدها عليهما السلام ؟
سأبدأ بذكر هذا الحديث « فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني ».هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدّة من المصادر .وأيضا « فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ». بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وصحيح أبي داود ، وصحيح مسلم ، وغيرها من المصادر وكذلك حديث « إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ». بهذا اللفظ في : صحيح مسلم
و حديث « إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ». بهذا اللفظ في : مسند أحمد وفي المستدرك وقال : صحيح علىٰ شرط الشيخين ، وفي صحيح الترمذي . وكذلك حديث « فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ». بهذا اللفظ في : المسند ، وفي المستدرك وقال : صحيح الإسناد ، وفي مصادر أُخرىٰ
وعندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة » لا يقول إنْ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن الله يغضب لغضب فاطمة، هذا الغضب بأيّ سبب كان، ومن أيّ أحد كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان . وعندما يقول : « يؤذيني ما آذاها »، لا يقول رسول الله : يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا ، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أيّ قيد، بل الحديث مطلق « يؤذيني ما آذاها » .
وهكذا نجد أن هذه الأحاديث دلّت على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فاطمة الزهراء عليها السلام لم تبق بعد أبيها صلى الله عليه وآله إلا أياماً قليلةً مستديمةً الحزن والبكاء متلقية من المصائب والأذى والآلام ما الله عالم به والمتأمل في خطاب أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد دفنها يعرف عظم ما جرى عليها ومن هذا الخطاب قوله:
«وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين»
فما هي الآلام التي ألمت بمولاتنا الزهراء عليها السلام حتى ذكرت أنها مظلومة ومقهورة ومغضبة من قبل ثلة من الناس بعد وفاة أبيها عليه الصلاة والسلام والذي كان من الأولى أن تعز وتصان لا أن تهضم وتظلم كيف وهي بنت نبي الرحمة وخاتم النبياء أم الأئمة الأطهار عليهم السلام .
نذكر بعض مما سرده التاريخ في مظلوميتها وأولى هذه الظلامات هي أرض فدك حيث أن أرض فدك من حقها كميراث شرعي والذي غصب منها وأخذ بحجة واهية أن الأنبياء لا يورثون ! ، بينما يتمسك العاقلون بموقف الزهراء عليها السلام التي استشهدت فيه بالقرآن ردا على الحديث الذي رواه الخليفة الأول ليحاج بأن لا إرث لها، وهو الحديث الذي رده بعض علماء السنة على أنه موضوع بينما تمسك به جماعة أهل السنة انتصارا له، فيقولون أن الأنبياء لا يورثون وأن ما تركوه صدقة. وقد روى الحديث عن الرسول: «لا نورث، ما تركنا صدقة» فردت عليه فاطمة: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه مخالفا بل كان يتبع أثره ويقفو سوره أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور.
ويؤيد رأي الزهراء عليها السلام ما جاء في القرآن من إثبات توريث الأنبياء السالفين، منه: { وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين} وعن نبي الله زكريا: { ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} ولكن التاريخ ظلم وشق الظلامة الى فجر أيامنا هذه ولا نعلم آلى متى وإنما نعلم بأن آخر سهام السماوات إلى الأرض والتي ستطهر الأرض بما رحبت من آثار الظلم والتجاوزات ستصيب تلك الظلامة بل أول ما سيرمى إليها من تطهير وإرجاع الحق لمستحقيه .
هذا والكثير مما جرى على مولاتنا الزهراء عليها السلام من عصرها خلف الباب وجمع الحطب على باب دارها وإسقاط جنينها .
ولما مرضت الزهراء عليها السلام مرضاًً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها، ونعيت إليها نفسها،وكان ذلك بعد أيام قلائل بعد وفاة أبيها قيل أربعين يوماً وقيل تسعين يوماً وقيل على أشهر المأثور خمسة وسبعين يوماً دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس، ووجهت خلف علي عليه السلام وأحضرته فقالت: يابن عم، أنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لأرى ما بي ولا أشك إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي عليه السلام: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثم أوصت بالكثير وجاء مما أوصت به عليها السلام ( أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فأنهم أعدائي وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وأن لا يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار )
فسلام الله عليك مولاتي يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تبعثين حية .