صحة، رزق، أمان، توفيق، جاه، وظيفة، زوجة، أولاد، كلمات اشتراطية يشترط لبقائها واستدامتها مدى الحياة أن يشكر عليها من بفضله ولطفه وجدت وسخرت لصالح البشرية.
وحين يشترط المولى تعالى ويوضح ذلك في كتابه الكريم ويقول: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) الآية 7 من سورة إبراهيم، يكون الأمر جليا واضحا بالشرط والمشروط عليه، فالشرط هو الشكر، والمشروط عليه هو الزيادة، والزيادة هي النماء والاستدامة.
متى يجب أن نقول شكرا، ولمن؟ سؤال تفتح له صفحات الكتب والمؤلفات، ولهذا تجد الكثير من كتب الذات والفلسفة المجتمعية ،تكتب في مثل هذه العبارات المحفزة والإيجابية التي تصنع من المستحيل ممكنا وجميلا، ويكون تأثيرها على النفس ذو خطر عظيم وجليل.
فعندما تشكر شخصا ما فإنك تشعره بأنه كان قادرا على إنجاز ما كلف به ،إذ أن الشعور بالقدرة على الإنجاز وتقدير ذلك من قبل الآخرين له نشوة وفخر تهذب النفس وتشجعها على فعل المزيد، وطاقة جبارة تدغدغ المشاعر ،وتخبر الشخص بأنه شخصية فاعلة في المجتمع قادر على فعل ما يطلب منه، وذلك هو الشعور بقيمة الذات وحضورها.
وأن تسمع كلمة شكراً ، فهذا يعني أنك أحدثت فارقا في حياة أحد ما ، وأصبح ممتنا لك بما قدمته له ، فهي مساعدة من النوع الذي يستحق أن تثاب عليها. إذن أنت غمرت نفسك وغمرت من أسديت له الخدمة شعورا بالسعادة تقاسمتماها أنتما الاثنان.
لا شك أن الشكر أداة حراثة واستدامة، وهذا مما لا يختلف عليه أحد؛ لأنها كلمة سحرية تدفع بالأشخاص على بذل المزيد لكي يسمعونها مرارا وتكرارا، تقرب القلوب وتزيد من الترابط الاجتماعي وتخلق جوا من الرحمة والألفة بين الناس، فمن يتصف بكثرة ذكرها يكون إنسانا هادئا ومتزنا، يشعر بتقدير الآخرين له، أقل غضبا من غيره أو انفعالات؛ لأنه فقط شخص يعرف متى يشكر وكيف يشكر.
والسؤال الأهم ،هل للشكر بروتوكول معين حتى يتم التدرب عليه لإظهاره بالشكل الحسن المطلوب؟
نعم إن الشكر لا يكون فقط بالتلفظ وقول "شكرا" فعلى قدر من كونها لفظة جميلة، إلا أن جمالها قد يتواجد بأشكال متنوعة، كالشكر بتبادل الهدايا، والشكر بقضاء الحوائج، وتيسير المهام، وإسداء المعروف للآخرين ، وكذلك بالصبر على المحن والابتلاءات، وهذه من مراتب الشكر العليا التي ينبغي أن يحسن الشخص كيفية إدارة الشكر إدارة سليمة مع الآخرين أو مع ربه.
يقول الله في كتابه الحكيم: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)
ويروى عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قوله: "ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها."
تعبر حياتنا صور كثيرة تذكرنا بكل صورة منها بالنعم المحاطة بنا، والتي تستحق الشكر في كل يوم وليلة ألف مرة، وقد عبر عن بعض من تلك الصور أشخاص قد تعرف أحد منهم أو مر عليك مثل حالته في يوم من الأيام.
يعبرون ويقولون:
أحمد: هي وظيفة تسد رمق جوعي وتستر علي وعلى عائلتي، تمنعني عن تكلف ما في أيدي الناس وترفع الحرج عن إراقة ماء وجهي، فالحمد لله والشكر له ... هو رجل أمن يعمل في إحدى الشركات.
فاطمة: تخرجت بمعدل أقل بقليل من المعدل الذي يؤهلني إلى التخصص الصحي فاتجهت إلى دراسة الأعمال والمالية، فالحمد لله والشكر له على ما تفضل به علي ... سيدة أعمال تدير شركة صغيرة في إحدى مدن المملكة.
علي: فقدت أحد أبنائي رضيعا ، ودخلت في دائرة كآبة وحزن ظنا بأنها نهاية العالم وأن لا شيء يستحق الحياة، فأعانني صديق على تجاوز محنتي بروح راضية بقضاء الله وقدره، فعرفت أنه الحل الأمثل للعيش بهدوء وسلام فلله الحمد والشكر .... زوج وأب لثلاثة أبناء بعد فقد رابعهم.
إبراهيم: كنت أساعد عائلة للخروج من لهب النيران التي اشتعلت في منزلهم وأحاطت بنا من جميع الجهات، وبنعمة الله وفضله خرجنا بحياة جديدة فلله الحمد والشكر والمنة ........ يعمل في إحدى فرق التطوع الكشفية لإدارة الأزمات والحوادث.
بهيجة: كبرت يتيمة الأب والأم وتزوجت ولم يكتب لي أن أنجب أطفالا، فلله الحمد والشكر والامتنان أعيش أسعد أيام حياتي ..... معلمة أولى في دار للأيتام.
وحين يتعلق الشكر بالمنعم الجليل تبارك وتعالى الذي لا تضاهى نعمه أي مما يقدمها بشر لآخر، يكون الشكر ناقصا يحتاج إلى شكر؛ لأنه غير واف لعظيم من أنعم به علينا.
بل أن الشكر له تعالى نعمة تستحق الشكر عليها، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله:" قال الله عز وجل لموسى بن عمران (عليه السلام): يا موسى، أشكرني حق شكري، قال: يا رب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى: إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري"
الحمد لله الذي وفقنا لصيام شهر رمضان وامتطاء ليلة القدر فيه والشكر له على نعمة العافية وصحة العقل وسلامة القلب.