حينما يصبغ الدجى ما تبقى من وقت النهار، ويعم سكون الليل إيذانا ببدء مرحلة من عبق ولذة الذكريات، مجتمعين على مائدة الإفطار ،متذوقين الأطعمة الشعبية القديمة والمأكولات الحديثة، المأخوذة من تجارب الإنستقرام و سنابات الجيران، حتى تبدأ فعاليات، اختصت بها أيام وليالي شهر رمضان عن غيره من الأشهر التي سبقته أو التي تليه.
يلتقي الناس بالأصدقاء في كل ليلة من هذه اليالي في الديوانيات و المقاهي و في المجالس الخاصة وعلى مسطحات الكورنيش، أو داخل المجمعات التجارية، يتسامرون ويتجاذبون أطراف الأحاديث عن سفرة الإفطار أو عن المسلسل الجديد الذي بث في قناتهم المفضلة وعن أمور كثيرة لا حصر لها.
تلك التجمعات أيا كان نوع حديثها ، فقد أسمعت من حولها دوي قراءة ختمات القرآن الكريم، وأدعية مفاتيح الجنان.
تلك التجمعات أحيت المسابقات الدينية والثقافية المتنوعة، ونشّطت العقول الجامدة من روتين الحياة.
تلك التجمعات أشعلت فتيل المنافسات الكروية والرياضات المختلفة، فأظهرت بطولات جانبية ووزعت فيها هدايا مغايرة رسمت على تغليفاتها شعار رمضاني خاص جدا يحمل تاريخا مميز.
تلك التجمعات أظهرت إبداعات الأمهات والفتيات في فنون الطبخ، وابتكار الأطعمة الغريبة لتصبح "هبّة" الشهر وطعمها المميز.
جمعات الذكر ، جمعات الضحك، جمعات الواجب، جمعات المجاملة، جمعات الزيارات الأسرية وصلات الرحم، وجمعات المنافسات والألعاب الشعبية وغيرها ،كلها تحدث في ثلاثين يوما كل عام وكأنها عام بثلاثمائة وخمس وستون ذكرى، تعبق بين زوايا القلب والروح والذاكرة.
في بعض المجتمعات تحيي الورش التعليمية والتثقيفية والفنية، فتحضى وتخص الأفراد بدعوات لحضورها والتزود من معطياتها ، وخوض غمار تجارب فريدة من نوعها.
فيصبح شهر رمضان حافل بجدول ذو فعاليات وبرامج مجتمعية كثيرة من يومه وليلته الأولى ، حتى يومه وليلته الأخيرة قبل ليلة العيد والتي هي الأخرى ليلة خاصة جدا لها ذكرياتها وفعالياتها وأنشطتها التي لا تشابهها كذلك أي ليلة لا قبلها ولا بعدها.
لا شك أن الحالة الاجتماعية التي تظهر بقوة وبشكل واضح في شهر رمضان المبارك تقوي العلاقات الاجتماعية بين أبناء الجيران والمجتمع ، وأبناء الأسرة الواحدة ، تظهر روح الانسجام والتسامح أكثر حين يتبادل الناس عاداتهم ومفاهيمهم ومعتقداتهم، ولا أعلم هل ترتقي الأنفس والأرواح في هذا الشهر الكريم، لتصبح مهذبة أكثر وواعية بشكل يجعلها أكثر جمالا ورقيا.
لا شك أن لصبغة شهر رمضان على الأرواح شيء مختلف كالسحر يأخذ بلب الأشياء فيغيرها.
يقول المولى تعالى في كتابه الكريم( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) مما لا شك فيه أن الهداية المذكورة تغسل القلوب والأرواح فتبدلها وتحييها.
كل عام وأنتم بخير
تاريخ النشر : 23-3-2023