قد تكون وضعتَ نفسك في دائرة مقفلة ، وأهدرت وقتك بين يدي كتاب علقْتَ بين صفحاته، ولم تستطع الانتهاء من غثها ، ولكنني أعتقد بأن هناك الكثير من الناس لايجحفون بحق الكتاب حتى لو كان رديئا -على حد تعبيرهم -فيواصلون سبر أغوار صفحاته للنهاية ، يعطون أفكار الكاتب حقها في الاستعراض والرقص المتباين ؛ علّها تفلح في غوايتهم إلى أن يصلوا إلى حد الثمالة .
بلاشك سيجدون الفائدة مختبئة بين أطراف الحروف التي لم تعجبهم كما يقول عباس العقاد: (لا يخلو كتاب من فائدة حتى الكتب الرديئة تعلمني كيف يفكر أهلها).
والقارئ الحقيقي له القدرة على تجاوز عمالقة الكتّاب إلى صغارهم ثمّ الانتقال لمرحلة الاكتشاف الجليّ الذي يراه ماثلا أمامه ، ويواصل القراءة لآخر نفس .
وبعيدا عن القارئ ... يبدع الكاتب الناجح بدخوله حيوات مختلفة ، يرتاد مناطق مجهولة المعالم ،ويصقل حسّه الاجتماعي فيبدع ذاتيّا ، وينتج موضوعيًا ؛ لأنه يتقلّب في اتجاهات عدّة.
فالروائيّ والكاتب الأدبي البرتغالي "ساراماغو" الحائز على جائزة نوبل للأدب، بدأ حياته ميكانيكيا ثمّ تدرج في عدد من الوظائف المختلفة، كمصلح للمفاتيح وموظف في قطاع الصحة، ثم أخيرا ناقدًا أدبيّا وصحفيّا مرموقا؛ مما أكسب قلمه الخبرة في الغوص في جميع الأوساط الاجتماعية، فأبدع في إنتاجه الأدبي ، ونزل إلى جميع المستويات وتلك مهارة لا يتقنها جميع الكتّاب.
وليس سهلًا على كاتب أن يحافظ على حبر قلمه من دون قوة ، فعندما يتملك القدرة
يعيش مختلف الظروف مهما كانت المهنة التي يمتهنها لأن القدرة هي موهبته التي تدفع قلمه، فيطوّع قلمه للكتابة في أشرس المواقف حتى يعتقد الناس أنّه ربما عاش الألم وتنفّس الصّعاب مع الحدث الذي يطرحه.
والمدهش أنّه يرى أفكاره تتقاطع مع أفكار كتّاب عاشوا قبله ، فلايصدمه عنوان كتابه المتشابه مع عناوين متعددة في بطون الأنترنت، مؤمنا بأنّ الفرق بين احتراف الكتابة واحتراف أيّ مهنة أخرى في الحياة فرق الخبرة الذاتية والخوض في موضوعية المادة نفسها.
ومن هنا علينا ألا نغفل أمرا بالغ الأهمية وهو أنّ انغماس أفكار الكاتب مع الأحداث المُتجددة طريقٌ يصدحُ بإثباتات وجوده في الطرق الاجتماعية ، وهذا الطريق هو الذي يكسبه الجرأة في مناقشة قضايا عميقة في زُقاق مجتمعه ، حتى الراكدة منها تجعله يعطيها دفعة قوية تحركها بوضعه الحلول الممكنة وانتقاله الخفي بين هموم الناس ورسم السعادة على محياهم .
.
.
تاريخ نشر المقال: 13-12-2022