إذا قلّبت صفحات المجتمع، سوف تظهر لك فئة ترتدي الزيّ الشبابي بأعمار تجاوزت الخمسين من العمر ، هؤلاء الشباب (الشيوخ) في مجتمعنا يمتلكون أرواحًا جميلة وقلوبا فتيّة ينافسون أبناءهم في الملابس الحديثة ويرتادون النوادي الرياضية ويحضرون حفل افتتاح المقاهي والمطاعم الحديثة لكنهم يأكلون بحذر ، تراهم يضحكون على برناردشو عندما قال :(ليس أحفادي هم الذين أشعروني بأنني عجوز، وإنما مجرد إدراكي بأنني زوج جدتهم)، ولم يسأموا تكاليف الحياة كما سئم زهير بن أبي سلمى حينما قال :
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
وعندما تراهم يقفزون ويعْدُون على شواطئ البحر، تلمح في وجوههم كلّ نضارة الشباب حتى وإن اصطبغ الشعر بلون النجوم المضيئة وسط ليلٍ دامس .
إنهم كبار السن بصبغتهم الحديثة ، تقاعدوا وهم يرفضون كلمة (متقاعد)؛ لأنهم ما زالوا في أوج قوتهم، ليسوا بحاجة لأولادهم ولا لأحفادهم لأنهم من جيل ضاحك ، مبتسم يقرأ كلّ جديد ، يُحاورك ويناقشك في كلّ شيءٍ ،بل لا يسعك إلا أن تستجيب لرأيه طوعًا لا كرها ولا مجبرًا خاصة أولئك الذين يمتلكون مكان الريادة الاجتماعية، ويفهمون في أصول الدين والحياة، ويكتبون الخواطر الذاتية وينشرون النكات الأدبية لقد غدا كبير السن في زمني مؤثرًا في المجتمع ، لم يعد شيخا كبيرا احْدودَب ظهره كما وصفه ابن الدهان قائلًا :
فصرتُ الآن منحنيا كأنّي
أُفتش في التراب عن شبابي
حتى في حال غضبه يزمجر بأجمل الكلمات وأرقاها مثل بحر احتدم غضبه فسخط على غيره ورمى لآلئ البحر في حضنه .
إن كبار السن هم عناوين الحكمة ، وأصحاب فضلٍ كبير، وقد أمرنا الله بأن لا ننسى الفضل بيننا كما قال رسولُ اللَّه ﷺ في شأنهم :
(إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ)، وليس بمقبول من أحد منّا أن يجرح شباب الشيوخ بلمز وهمز ساخرين ، فما زالت الشيخوخة بألوانها البيضاء خيرا من شباب بلا أمل ولا سعي .
وتظلّ اللياقة الروحية هي حجر الزاوية في ثقافة العمر ، ومن أجل ذلك ثمّة من يعتقد بأنّ الحياة بدأت عنده في الستين من عمره فيسافر ويطرق أبواب المعرفة ، ويقترب لله تعالى فقد خفّ حمله ، وزانت حياته .
التعليقات 1
1 pings
أبو إلياس
2022-10-03 في 8:18 ص[3] رابط التعليق
مقال جميل يعكس واقع بعض ممن حافظ على صحته من خلال؛
١- الرياضة
٢- الأكل الصحي
٣- النوم الكافي ليلا
٤- ترك القلق والهم والحزن
٥- الضحك والابتسامة في وجوه الآخرين
٦- العيش مع الناس ومشاركتهم مناسباتهم
وأخيرا وليس آخرا وجود عائلة محبه يتم التواصل بينهم والمشاركة يشعر الإنسان بالانتماء لهذه الحياة وأن الزمان لازال باكرا على الرحيل