الميتافيزيقيا والتي تعتبر من أهم الأطروحات الفلسفية التي تحاول تفسير ما وراء الطبيعة أو كما أطلق عليها الفيلسوف أرسطو "الفلسفة الأولى"
الجمال والحب، الوجود والكون، الموت والحياة والخلود، الخير والشر والسعادة، وأغلب المعاني التي نعرفها كلها ذات منبع وأصل يبحث عنه الميتافيزيقيون كثيرا، حتى يترجموا الحياة من منظور خاص، وتحت مفهوم معين يجلب لهم شيئا من الاستقرار النفسي أو الوجودي، وعلى قدر ما يكون هذا البحث مضني إلا أنه في نظرهم مريح؛ فهو ما يحتاجون إليه لسد شهية فضولهم نحو معرفة أصل الأشياء.
البعض الآخر قد يقلقه النظر إلى الخلف والبحث عن مواطن المعاني الأولية أو الأصلية، فهم أناس يعيشون اللحظة غير آبهين بما سبقها أو ما سياتي بعدها، فالحياة قصيرة ليس لديهم متسع من الوقت للبحث عن أصل الأشياء ومعانيها، من أين أتت وما إلى ستنتهي، فالجمال يورث السعادة والسعادة تقود إلى العطاء والعطاء يفرز الخير دائما والخير لا يتجانس مع الشر أبدا.
إذن يأتي السؤال أحيانا من جدوى البحث عن أصل هذه القيم كأن تسأل ما هو أصل العطاء وما جذوره ومن أين تفرع؟ وهل تتجذر منه معاني وقيم أخرى وماهي؟ ولا شك بأن البحث هذا قد يكون طويلا وشائكا، يأخذ من جهد باحثه وطاقته ووقته الكثير، هذا إذا لم يصل أحيانا إلى أبواب مسدودة تحبطه وترجعه إلى الوراء.
وليست أيضا كل الأشياء أو الأمور يكتفى بأن يعيشها أصحابها في وقتها ولحظتها المبهجة وآثارها الآنية، كاسبا راحة باله مبتعدا عن قلق البحث والتساؤل، فهناك أمور تجبرنا على البحث عن منبعها وأصولها؛ لا سيما وإن كانت أمورا أو ظواهر حديثة ودخيلة على مجتمعاتنا بدءً من الأكل وانتهاءً بالأمراض -على سبيل المثال لا الحصر- فأصل هذا الطعام وتلك الورقة وتيك النار وهذا الغاز وذاك الحجر ومن أين أتى الأكسجين وكيف أتى هذا الفيروس، وغيرها أسئلة كثيرة شغفت الناس في البحث عن أصولها، منها ما يمس حاجات البشر فينقذها من خطر ما، ومنها ما يرتقي بمعيشتها فيبقيها على وجه الحياة، ومنها ما عجز عن الوصول إلى أصله ومنبته، فدخل في دوامة البحث الطويل.
ألم يتكرر عليك سؤال طفلك، أنا من أين أتيت؟ هذا السؤال بالذات قديم جدا واجهه الآباء والأمهات كثيرا، وفي كل مرة تأتي الإجابة عليه بشكل مختلف حتى ترضي الطفل وتسكته مؤقتا إلى أن يكبر، ليبدأ بعد أن عرف الإجابة عليه بسؤال أكبر منه، من أين أتى أبي وأمي وآبائهم وينتهي بسؤاله عن آدم وحواء؟
فالميتافيزيقيا موجودة إذن لدينا جميعنا ولا نستطيع أن ننكر ذلك أو نتجنب أن نوصف به؛ لأن الواقع يفرض نفسه، فالعقل البشري دائم البحث عن إجابات الأسئلة التي يثيرها باستمرار.
أشار أحد الخطباء مؤخرا إلى أن الإجابة عن سؤال الميتافيزيقيين الذين يسألون كيف أتى وتكون هذا الكون؟ فقال: بأن الحركة هي الأساس والأصل، فالانفجار العظيم الذي كلنا نعرف أنه سبب تكون الكون والمجرات والكواكب فيه كان بسبب "ديناميكية الذرات" أي حركتها تحرك بعضها بعض، فالحركة ولدت الشرارة والشرارة أحدثت الانفجار العظيم.
وسؤال الكون وأصله ولد سؤالا آخر، وهو من أين أتت حركة الذرات تلك؟ إذ لا عالم ولا وجود قبل الوجود؟ فكان جوابه أن للغيب حضوره القوي الذي لا بد للمؤمنين أن تعتقد به، والغيب أمره عند الله تعالى، ومن هنا نصل إلى أن الميتافيزيقيا أمر حسن، وإن أبغضه بعض من الناس، إلا أنه يفتح العقول ويقودها إلى الإيمان بالمعتقدات الدينية والغيبيات الإلهية.