جملة شفافة جميلة تحمل الفكر النير والثقافة المنفتحة على كل الثقافات والأعراف الاجتماعية، تعطي قوة تعزيز للذات، وتنمح "فيتو" ضد أي معارض لها، ترددت كثيرا على مسامعنا في الفترات الأخيرة من بعد اندثار عوالم الصحوة وفي ربيع أيام تمكين المرأة، رددها الكثيرون رجال ونساء، صغار في زهرة الشباب وكبار أدركوا منتصف العمر، الجميل في الأمر هو تقهم هذه الجملة ووضعها في مكانها السليم بين أسطر الحديث، إذ لا يشوبها شيء من الغموض لا في التفسير ولا في التحليل، والمحزن في الأمر أنها دخلت في دائرة مبهمة لدى البعض تفسر ألف تفسير وتسير وفق أهواء ومصالح وأمزجة معينة.
قبل يومين أطلعتني زميلتي على فيديو تتحدث فيه فتاة وقد كشفت عن باقي شعرها لمن يتابعها وهي تعلل بأن هذا التصرف هو من باب "الحرية الشخصية" وأن الحجاب والصلاة والأفعال العبادية الأخرى كلها شأن خاص بينها وبين الله تعالى ولا لأحد أن يتدخل فيها في مرة أخرى من باب "الحرية الشخصية"
هل ترجمت الحرية الشخصية هنا صح؟ هل أتت في موقعها السليم؟ هل فهمها المجتمع أم أساء فهمها؟
بالنسبة لتلك الفتاة هو لا يهمها فيكفي أنها نطقت بها وبرأت موقفها وتصرفاتها بهذه الجملة المطاطية.
حرية شخصية!! من يتدخل في تفاصيل المواقف والأفعال وبعض الأمور، يحاكم، يعاقب، ينعت بالمتلصص على حياة الآخرين، والمتدخل في شؤونهم بغير وجه حق، وربما يحاكم على ذلك، نعم يحاكم!
هل أصبحت النصيحة تجلب الويلات على مقدمها؟، تعلمنا منذ صغرنا وحين كنا ندرس مادة الفقه في المدارس، بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سمات المسلمين وأن أضعف أجر فيه إنكار المنكر بالقلب وأعلى مقامات الثواب فيه إزاله المنكر باليد ثم اللسان، ولأن كل شيء ليس كما عدهناه منذ فطرته أصبح أقوى الإيمان أن تنكره بقلبك وكفى، بل ليس من شؤونك أن تميطه بيدك أو تنتقده بلسانك، فله تبعات كثيرة تدخلك في أماكن ضيقة اجتماعية وقانونية.
اليوم نرى أقوام تتحدث بحرية تامة عن "المثلية" التي كانت ومازالت في حقيقتها هي "لواط" أو "سحاق" ذكر ذلك في القرآن ومن المحرمات في الإسلام إلا أنها اتخذت مسمى آخر وتبنتها أناس باسم "الحرية الشخصية" وضعت لها قوانين "حقوق وواجبات" ودعمتها حكومات، بل تجاوز الأمر بأن من يتنكر لها يعد متخلفا ورجعيا ومخطئ في حقها وعليه الإعتذار لها.
جاءت لائحة "الذوق العام" التي صدرت في 4/8/1440هـ بقرار من مجلس الوزراء، والتي كانت تنص على البقاء على جملة من السلوكيات والآداب والقيم في المجتمع لتعزيز مبادئه وهويته بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم كعدم ارتداء ما يخدش الحياء أو يربك النظر أو تشمأز منه الأرواح في الأماكن العامة كالأسواق والمقاهي والمتاحف والمسارح والمجمعات التجارية والدور الحكومية ووسائل النقل والمعارض ونحوها، اللائحة يطول تفصيلها فقد حوت عشر مواد وفي كل مادة تحكي عن تفاصيل جدير بكل شخص أن يطلع عليها حتى يعرف كيف تم تقنين جملة "الحرية الشخصية" وأن هذه الجملة ليست مطلقة عامة تستخدم في كل مكان بنفس الكيفية ولا في أي زمان تستطيع أن تطبقها ولا على أي شخص تمارسها بل ليس لك الحق أن تستخدمها في غير موضعها الصحيح فلا تخالف بها قيم ولا تدثر بها مبادئ أو تميت بها حقوق أوواجبات.
الحرية الشخصية هي التي تهذب النفس وتحوطها بعناية فائقة، تعز الشخص لا تهينه بين الناس، تملئ صحيفة الأعمال بالخيرات وتثقل ميزان الحسنات عند الله، لا تلبسي "مايوه" في الشارع وتقولي حرية شخصية، ولا "تفحط" بسيارتك في الطرقات وتقول حرية شخصية، لا ترفع شعار ولا تتبنى أفكار ولا تعتنق مبدأ إلا وقد صنت النفس وحفظت كرامة شخصك، وراعيت الله والناس فيما تقوم به، حينها قل هي "حرية شخصية".