يوم من أيام الله الشاهدة على عظمة خلقه وقدرته جل وعلا، يوم تتذلل فيه الألسن بذكر الله تعالى، وتتشحط فيه الأجساد، تغالب فيه الجوع والعطش، هو يوم يثير التساؤل عن معناه، ويدعو إلى البحث عن آثاره وعجائبه، ومما أشار إليه جملة من العلماء المهتمين بشأنه بأنه نشأ منذ بدايات نشأة الأرض فقد كان بعد هطول أمطار غزيرة غطى فيها الماء الكرة الأرضية برمتها، ثم غاض شيئا فشيئا واستقر في المنخفضات، وظهرت اليابسة من تحته، وكانت مكة أول نقطة يابسة ظهرت، حسب الأحاديث الإسلامية، وهذا ما تؤكده جغرافية أرضها وتضاريسها، وكونها على منخفض أرضي وليست ذات ارتفاع عن سطح الأرض.
لذا جاء يوم «دحو الأرض» وهو اليوم المحتفى به من قبل الكثير من الطوائف الدينية بجملة من الأعمال والصلوات وأبرزها الصيام شكرا لله تعالى على وافر نعمه وعطاياه.
وقد جاء في القرآن الكريم من سورة النازعات ﴿وَالأرض بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا﴾ أي أن اليابسة انتشرت وبسطت من تحت الكعبة، ومفردة «دحاها» عند أهل اللغة تعني بسطها ومدها ووسعها على هيئة بيضة للسكنى والإعمار، ويقول فيها الإمام الرضا عليه السلام: «هو أول يوم أنزل فيه الرحمة من السماء على آدم عليه السلام كما وأشار «الفخر الرازي» في ذيل تفسيره للآية الكريمة إلى قول: أن لا يكون معنى قوله «دَحاها»: مجرد البسط، بل يكون المراد أنه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات وهذا هو الذي بينه بقوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها﴾ وذلك لأن هذا الاستعداد لا يحصل للأرض إلا بعد وجود السماء فإن الأرض كالأم والسماء كالأب، وما لم يحصلا لم تتولد أولا المعادن والنباتات والحيوانات.
وكانت لروايات أهل البيت عليهم السلام نصيب في الإشارة إلى هذا اليوم فقط كتبت فيه أن يوم دحو الأرض كان في 25 ذي القعدة وأنه يستحب صيامه، وهو الذي حدثت فيه بعض الوقائع الكبيرة لبعض الأنبياء العظام كنزول الرحمة على نبي الله آدم عليه السلام وجاء في مصباح المتهجد: اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة هو اليوم الذي دحيت فيه الأرض واستوت سفينة نوح على الجودي فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة وهو الذي ولد فيه إبراهيم وعيسى بن مريم عليهما السلام علماً أنّ النصارى يرون أن المسيح ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر وهو اليوم الذي يراه عبدة الشمس يوما لولادة الشمس ويحتفلون به.
نحن البشر نسعد بأن تكون في حياتنا أيام نتوقف عندها ونتأمل ما فيها، أحزان كانت أحداثها أم أفراح، نتوقف عندها قليلا ثم تزودنا بعد هذا التوقف بالوقود الذي يعيننا على إكمال المسير بين بقيتها، متأملين بمحطات أكثر تأثيرا وتغيرا، على مستوى الروح والذات معا، تكسبنا التجارب، وتثري حصيلتنا بالمواهب، ونجني منها الكنوز المعرفية والروحانية.
واليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، «يوم دحو الأرض» محطة لشحذ الهمم الروحانية والعاطفية والاجتماعية والذاتية على حد سواء، ندعو الله فيه الرحمة والمغفرة، ونشكره على عطاياه ونعمه الجزيلة، ونسأل الناس من خلاله الدعاء.