منذ أن خلق الله تعالى البشرية وحتى يومنا هذا جعل سبحانه لهذا الآدمي دورا محددا وواضحًا، ومن المفترض ألا يحيد عنه مابقي الدهر،فهذا الدور وُضع تحت إطار واضح من المبادئ والقيم والصدق والالتزام والخُلق الرفيع وذلك من خلال ما جاء عن الحق - عز وجل - في كتابة المقدس والذي لا يختلف عليه أي مُنصف عاقل في قوله جلت قدرته :{ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.(سورة المائدة الآية ١١٩).
ومن خلال ما نعايشه في مسيرة حياتنا في تلك الدنيا الفانية، وما يتخللها من أحداث ومواقف بعضها متزن وفيها مراعاة لكل الآداب والأعراف الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، وهذا ما يجب فيه أصل الافتراض بل هو الوضع الصحيح لكل ما يصدر من الآخرين تجاه أنفسهم لعلاقتهم مع خالقهم - سبحانه وتعالى- هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تجاه كل المحيطين لهؤلاء المشار إليهم باعتبارهم فئة أقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم يتصفون بصفات الآدميين الطبيعيين الذين يراعون ما أمر الله به، بالإضافة لاحترامهم لأنفسهم ولمجتمعهم وكذلك لعاداتهم وتقاليدهم ولكن ما يؤسفنا حقيقةً أن نرى ونسمع ونشاهد أناسًا جعلوا من جميع القيم المختلفة مجرد شعارات لا وجود لها في خضم أفكارهم وسلوكهم، بل لا توجد إلا فيما يمليه عليهم شيطان ذواتهم، بل باتوا أكثر تقدما في الطغيان والجفاء في ذلك المضمار. ووصلوا لمرحلة أصبح الواحد منهم يُحلل لنفسه ما حرمه الله! لذلك نرى تلك الأفعال واضحة في مواضعَ كثيرة لا يتسع المجال لذكرها كلها هنا في هذه السطور. ولكن نكتفي بالإشارة إلى أهمها، وهو أمر تفشى في مجتمعنا من سلوك يستنكره المحترمون وأصحاب العقول المتوازنة، والذي فيه من التعدي على حقوق الآخرين ومنها :حقوق الزوجات بشكل مخجل للغاية بل ونستحي ذكر الكثير لما له من سوء المعاملة و فظاعة الأمر وبشاعة الإقدام على أمور ما أنزل الله بها من سلطان.
فالبعض يفتعل تفاهات لا يرتقي حتى الصغار لمستواها كالاعتداء الجسدي واتباع أساليب وحشية قاسية لا تمت للإنسانية بصلة كالتهديد والوعيد ، وعدم الاحترام، ناهيك عن الإرهاب النفسي بغرض الوصول بتلك الفتاة المسكينة والمغلوبة على إرادتها لطلب الطلاق وبعدها يصل لمبتغاة المظلم وهو المساومة الرخيصة! وكان لسان حاله يقول لها: أنه إذا أردتِ الطلاق فعليكِ دفع مبلغًا وقدره (كذا)، وأما إن أصبحتِ معلقةً لا متزوجة ولا منفصلة! ويحدث ذلك كثيرا للأخوات الموظفات فبربكم أين الضمير من تلك الأفعال المشية؟! لذا يجب علينا جميعا أن نصوب صوتنا لهؤلاء ونقول: أيها المتوحشون المتسلطون أين إنسانيتكم؟ أين دينكم أين أخلاقكم أين وازعكم أين شيمتكم أين رجولتك أين تربيتكم؟! هل نسيتم أو تناسيتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (سورة النساء الآية ١٩).
إذا هناك واقعٌ يفرض نفسه وهو من أعطاك الحق أيها الظالم لكل هذا التعدي على حقوق الله قبل حقوق زوجتك؟! من صرح لك بكل هذا الطغيان تجاه تلك الأمانة التي ائتمنوك عليها؟ من سمح لك بسلب حقوقها من أذن لك بأن تستبيح مالها الذي لاحق لك فيه؟ من الذي مكنك من النيل من كرامتها وعزتها وإنسانيتها وأنوثتها؟ من قال لك بزواجك منها أنك قد ملكت الحق بإهانتها والإصرار بالتعدي على ذاتها! فليس ذلك من حقك البتة، ولتعلم أن هناك من سيحاسبك حسابا عسيرا ولن تستطيع الهروب من عدالته وقبضته وعدله، فكل ما تحصده من سوء أعمالك وظلمك وتسلطك ستواجه به ربك في لحدك لكل ما اقترفته في حق زوجتك وحق الآخرين، بل وسترى كل ما فعلته من قبيح الأعمال مدون عليك في صحيفة أعمالك مصداقا لقوله تعالى :{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}. (سورة الكهف الآية ٤٩).
فالآية المباركة تشير هنا أنه لا طريق لك أيها الإنسان المتجبر للخلاص من تلك المعضلة المعقدة الشائكة والمخيفة، إلا أن تكون إنسانا فقط! نعم إنسانا يحمل في داخله معانٍ عدة من التراحم والمودة ولين الجانب جاء بها القرآن الكريم في قوله سبحانه { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. ( الروم الآية ٢١).
وهذه الآية الشريفة واضح من تبيانها أنها تحث بأمر من الله - جلت قدرته- على كل معاني الألفة وسمو الأخلاق والمعاملة المصحوبة بالتودد والرقة بين الزوجين، كما أنها تنهى عن كل سلوك يحمل في طياته العدوانية والعنف الجسدي والنفسي والاجتماعي، باعتباره تصرفًا لا يقبله منطق ولا عقل ولا دين! بل تُخالفه جميع الديانات السماوية والأعراف المجتمعية باختلاف أطيافها وتوجهاتها، ذلك لأن النفس البشرية تجنح للسلم والهدوء والعاطفة، وكل ما يصدر معاكسا لتلك القوانين التي شرعها الله تعالى تعد منقصة مخجلة لهؤلاء الأزواج (أشباه الرجال) الذين يتخذون من زوجاتهم صفقات تجارية باعتبارها تملك راتبا تتقاضاه، نظير وظيفتها ويعطي لنفسه المبررات الواهية للاستيلاء على حقها المشروع، بينما وفي واقع الأمر هذا ليس من حقه على الإطلاق وبهذا يكون ذلك المعتدي قد أقدم على المحظور من الأفعال التي توجب سخط البارئ.
لهذا فلنتقِ الله في زوجاتنا وأبنائنا وذوينا فتلك الأفعال فيها من الدمار الشيء الكثير سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو على صعيد المنظومة الاجتماعية برمتها، لما لها من آثار وخيمة وسلبية تجاه النساء والأطفال.
فنحن محاسبون لا ريب عاجلا أم آجلا على كل ما نرتكبه من أخطاء لمن حولنا مهما كان ذلك الخطأ كبيرا أو صغيرا، ولكن الأفضل أن نبحث لكي نجد الحلول لتلك الظواهر المقيتة التي ظهرت للعيان في مجتمعات كثيرة ومنها مجتمعنا المحلي، لذا يجب رفع مستوى الوعي الفكري لهذا النوع من المشاكل التي هي بالفعل إن تُركت وأُطبق لها العنان إن تنتشر ستجلب لأجيالنا القادمة العديد من المتاعب والكوارث والمساوئ البغيضة ، والتي لن تكون نتائجها محمودة على النظام الاجتماعي بشكل عام.
لهذا وللأحبة الأبناء ذكورا وإناثا نقول: دعونا نبحر قليلا في كتاب الله - عز وجل- ونمعن النظر لما جاء فيه من نصائح وإرشادات أخلاقية وإنسانية وتربوية ربانية؛ لكي نقف على حقيقة الأمر بما يتعلق بذلك الارتباط المقدس، والحديث عن(الزواج) وأن نعلم أن ما وراء ذلك الأمر المبارك بناء مجتمع صحي راقٍ لكي ننتج من خلاله أبناءً ومن ثم رجالا ونساء فاعلين ناضجين يتحملون المسؤولية الملقاة على عاتقهم، كما ينبغي وبالمستوى المنشود لنصل بعدها للاطمئنان تجاه ذواتنا ورضا خالقنا ليتحقق في نهاية المطاف كل ما هو مأمول لخدمة الوطن والمواطن.
هذا ونسأل الله العلي القدير أن يصلح حال شبابنا وأن يحميهم من شرور أنفسهم وأن يوفقهم لكل ما هو خير البلاد والعباد إنه سميع مجيب الدعاء.