يتأفف بعض الابناء لا سيما المراهقين من نصح الآباء والأمهات والأجداد لهم، فالأبناء يرون أنهم ناضجون بالقدر الكافي والآباء والأمهات يرون أن أبناءهم مازالوا قليلي خبرة بمعترك الحياة وإن كبروا.
وفي وجهة نظري أن الأب الحقيقي الأصيل يكون ناصحا لأبنائه حتى آخر يوم في حياته وباتزان، وإن وفقكم الله وظفرتم بآباء من هذا الصنف فعضوا عليهم بالنواجذ لأنهم عملة نفيسة ومعادن أصيلة ونعمة إلهية كبيرة .
من واقع تلمسته بنفسي في أدب الرحلات والسفر والانتداب ، مازلت أتذكر نصيحة أبي وأمي وجدتي وجدي لي قبل أن انطلق في أول سفرة لي بمعية زوجتي ( أم عبدالله ) إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود تقريبا .
وكانت بعض النصائح عبارة عن تحذيرات ، وأتذكر بعضها جيدا ومنها : بُني احذر الأمور التالية :
١- احذر أن تثق بأي شخص لمجرد أنه تكلم لغتك أو تلى آيات قرآنية أمامك أو ذكر النبي وآل بيته مدحا أو أبرز معرفته ببلادك، لا بد لك أن تطمئن لصدق قوله وفعاله .
٢- احذر أن تأمن على دينك أو تُسلم أمرك لغير نفسك ومن تثق بهم علما وأدبا وتقوى وزهدا وطهارة نفس.
٣- احذر أن تنصاع لمن يُريد أن يوجهك أو يتأمر أو يتسيد عليك بأي دعوى، أو استغلال أي مشاعر فيك، فقد يقودك للهلاك ومواطن الإفلاس وخراب الديار، وقد يكون ذاك الشخص مُغرر بك لأداء أعمال حمقاء أو شيطانية أو ارتكاب المعاصي أو انتهاك الحرمات أو الكفر بالخالق واتباع الشياطين.
٤- احذر ما خلف دعوات العشاء المجاني، فليس هناك عشاء مجاني من شخص لا تربطك به أي صلة.
٥- إذا كان ولابد أن تتسوق، فتسوق من أقرب مركز تجاري أو بقالة قريبة من مكان سكنك، لا سيما في المساء حتى إن كان السعر أعلى.
٦- احذر أن تلتقط من الأرض أي شيء لا يخصك أو تستلم اي شيء لا يخصك، فقد يكون فخا لك .
٧- احذر من يصفك بصفات جميلة بشكل مفرط، وإن كانت تلك الصفات فيك، أو يتملق لك، فإن لذاك الشخص نفس طويل ومآرب قد تكون بعيدة الأمد.
٨- احذر الوقوع في مشاكل الإغواء والاستدراج أو الجلوس في أماكن مشبوهة، حيث أهل الرذيلة، فالمثل المشهور "امش عدل يحتار عدوك فيك " حقيقة صادقة وماثلة أمام كل ذي باصرة، أن الالتزام بالقوانين للبلاد التي تقيم بها أمر أساس لتجنب الوقوع في المشاكل واحترام قيم المجتمع الذي تزوره، وكذلك الذي تنتمي إليه في ذات الوقت أمر أساس .
الحمد لله، تبينت لدي القيمة الكبيرة لكل تلكم النصائح منذ ذلك الحين وحتى الساعة، وما زلت أذكرها لأبنائي وكل من يثير ذات الموضوع معي .
ومع تقدم العمر بي وزيادة مشاهداتي وقراءتي في موضوع ضحايا الغربة، ومشاكل السفر وجرائم أهل الخبث من الأنذال في مواطن الغربة، وقفت على قصص عجيبة وغريبة يشيب لبعضها الولدان، تؤكد تلك القصص بمكاسب توظيف مجموعة النصائح التي أهداني إياها والداي وجدتي وجدي ،فجزاهم الله خير الجزاء ورحم الله من ارتحل منهم إلى دار الآخرة .
ولمن أراد الاستزادة في هذا الموضوع أي " أعمال وسلوكيات يجب أن تحذرها وتنتبه لها في الغربة والسفر والاحتكاك بالآخرين " ، أنصحه بتبني النصائح المذكورة بعاليه وزيادة البحث عن قصص واقعية حدثت في دول الغرب والشرق، لبعض أفراد الجالية العربية والمسلمة ، ممن كانوا ضحايا للتغرير والتضليل والانتحال وإلصاق التهم المخزية لهم .
وملخص تجربتي هناك هو أنه : عزيزي المسافر أو السائح أو المنتدب للعمل أن لا تقدم على قول أو فعل في أي مكان وأي مجلس قد يورث لك ذلك الفعل ندما طويلا بسبب سوء التقدير في عاقبة الأمور، وأقدم على فعل وقول كل جميل يحبه الله ورسوله وأبناء وطنك ومجتمعك وأسرتك ونفسك .
وهنا أتذكر رواية منسوبة للإمام الصادق (عليه السلام) وردت في كتاب تحف العقول : (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) وكلمة أخرى : ( …..العاقل أن يكون عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه).
ومن الحكمة الاستفادة من أهل المعرفة والخبرة التراكمية الأوفياء كالوالدين لإدارة شؤون الحياة ومعتركاتها في الحل والترحال.