مقدمة :
التوحيد من أهم مفردات الإسلام ومرتكزاته؛ لأنه قلب العقيدة الإيمانية بالواحد القهّار الأحد الفرد الصمد، حيث أخذت معاني التوحيد الحيّز الأوسع في كلام أهل البيت عليهم السلام، بدءً من نبي الرحمة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟
فكان لسيدة نساء العالمين الزهراء البتول، نصيب في بيان عمق التوحيد من عدة زوايا، تناولتها في خطبتها الفدكية، بعد ذلك نثرت دررها في بيان جمال النبوة وأثرها في رفع الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ثم بيان الاتصال الخاص، والنبع الصافي لتعاليم السماء، وهي الإمامه الطاهرة وجوانب الكمال فيها، وأنها الوحيده فقط المؤهلة للقبض والبسط في بيان حلال الله وحرامه، ثم عرّجت في خواتيم الإيمان لنيل الثواب والعقاب وهو المعاد يوم القيامة حيث يكرم المرء فيه أو يهان.
بعد أن تجلت في صبرها الإعجازي روحي لها الفداء بما جرى عليها من ألم المصاب، ذكرت مفردات في توحيد الله يحار لها العقل، ويتوقف عنها كل بيان، وينقطع معها كل جَنان، فالغوص في أغوار كلماتها عليها السلام وما تحمله من أسرار و معاني غزيرة، لا يحتملها إلا قلب مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
ولذا اجتهد أعلامنا الأبرار، في بيان مقاماتهم عليهم السلام، فيتناولون خطابهم بعين البصيرة؛ لأن أهل البيت عليهم السلام تميّزوا بجوامع الكلم، فإذا وقفت على سيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تجلى عندك عمق معرفتها بالله سبحانه.
خُذ مثلاً في خطبتها الفدكية حينما قالت: (.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في الفكرة معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، و تعبدا لبريته، وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة منه إلى جنته...)(١)
فينكشف للباحث والمتأمل والعابد والعالم عمق هذه الكلمات وما تحمله من دلالات يهتز لها كُل جنان، ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
١- كمال الانقطاع والانقياد والامتثال لقضاء الله وقدره والشهادة له بالوحدانية.
٢- إن الله واحد أحد لا شريك له في سلطانه، ولا سبيل للأهوام عن إدراك عظمته، ولا طريق للعقول لكيفية كينونته، فيصل الإنسان بعد هذه المعرفة أنه أعجز خلق الله بأن يقف أمام عز قدسه وعظمته.
٣- الصديقه الطاهرة عليها السلام كشفت لنا المعنى الدقيق لجوهر التوحيد وأظهرت بعض معالمه.
٤- الغناء المطلق الذي لا فقر فيه للحق سبحانه عن خلقه، وكيف أنه ابتدع خلقه من العدم إذا لا صورة متوهّمة قبل ذلك، ولا تخطيط مرتب في ابتداء خلقه وإبداع، ولا يوجد قبل ولا أثناء ولا بعد شيء مثله.
٤-دفعت توهم الحاجة عن الحق سبحانه التي أودعها في خلقه، وأن غاية خلقه هو إتمام لأمره، وطريق مهّده ليعرفوه لطفاً منه وكرما على خلقه، وعزيمة منه على إمضاء حكمه، فتنكشف في قلب المؤمن بذلك حجب النور ليصل إلى معدن العظمة وتتعلق روحه بعز قدسه.
٥- كشفت بكلماتها النورانية حجب النور فوصلت بعلمها إلى حد قاب قوسين أو أدنى من معدن العظمة، فالشاهد والغائب في جميع العوالم عندها سواء؛ فلا ترى شيئا يخلو منه فضل الله وإحاطته وهيمنته وسلطانه، لأنه أهل بأن يُعبد دون سواه، فتفضل على الخلق بالوجود بعد أن كانوا عدماً.
نكتفي بهذا القدر، وإلا فسيرة القديسة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام التي فُطمت الخلائق في إدراك كنه معرفتها.
وقد أقرّ العلماء والعرفاء أنها مظهر لتجلي جمال الله وجلاله، وأنها محط رضاه وسخطه وأمره ونهيه ومنتهى لطفه وفيضه على الوجود بأسره.
وهنا يتلجلج لساني وينقطع بياني في الغوص أكثر من ذلك لعجزي عن تقديم شيء يليق بعظمتها.
فالسلام عليك ياسيدة نساء العالمين ورحمة الله وبركاته ورزقنا في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك إلهي آمين رب العالمين.
المصادر :
(١)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٢١