أنجبت المدارس الكثير من النُّخب ، وفي رحابها تتكاثر العقول، والمدرسة مجتمع حيّ يمتلئ بالحركة والإثارة ولايوجد بالمدرسة كائن عاطل، فالجميع يؤدي واجبه وإن اختلفت الطاقات وتعددت طرق الإبداع لدى أهلها جميعهم .
وبطريقة خادعة أو مرهونة بالجد والعمل، ينتقل الطالب لمراحل علمية مختلفة ويواجه الأجناس الفكرية المتعددة، مما يتيح له ترتيب الناس بحسب مقاييسه الخاصة، ويوجهه في ذلك الطبيعة البشرية التي جُبلت على المقارنة والمفاضلة بين معلم وآخر، وبين جامعة وأخرى، ويظلّ المعلمُ المتميز شاخصًا في ذاكرة أبنائه مهما تقادمت العهود الزمنية.
فهناك مربٍ ناجح، وهناك معلم متمكن، وهناك معلّم يضع العراقيل والعقد في طُرق طلابه، غير أنّه من المُحزن أن يتسبب المُعلم في جرح لايمكن إيقاف نزفه لسنوات طوال، أو يحدث شرخًا في الذاكرة لايمكن أن يُلحم صدعه، وقد يكون الموقف عابرًا ولكنه يحمل عبرًا كثيرة بين طياته.
منذ سنوات طويلة كنت أدرس في الصف الأول ثانوي، يومها اقتطعت جزء من مصروفي الخاص؛ لعمل لوحة منهجية كلفتني أكثر من ثلاثين ريالًا، ويعدّ هذا المبلغ ليس هينا بالنسبة لمصروف طالبة آنذاك، وكان من المفترض أن أحصل على درجة النشاط في هذه المادة لكن كانت المفاجأة أنّ المعلمة أعطتني صفرا، وعندما سألتها عن سبب ذلك أجابت بعنجهية: لم أرها على جدار النشاط، وعلى النقيض من معلمتي ما قرأته على لسان أستاذ جامعي يخاطب طلابه قائلا : أريدك أن تتعلم لا أن تخفق وأريد أن أعلّمك لا أن أتحداك .
وفي أثناء محاضرتي إذا شعرت بجوع، كلْ شيئًا يسدّ جوعك ، ولاتقلق أبدا وأنت تستذكر مادتي، ففي نهاية العام أعدك بمراجعة شاملة للمنهج تضع فيها النقط على الحروف وتُسهّل نجاحك في مادتي .
على طرفي النقيض، تكون الأخلاق ويكون بناء العقول بأيدٍ تمتلك الخبرة، وأخرى ينقصها مهارة التّشييد ، وشتّان بين المعلم البنّاء، والمعلم المسكين الذي لا يجني من عمله سوى مقت الآخرين له ونفورهم منه .
ليس على المعلم أن يتحدّى تلميذه، ولا أن يتحول إلى عدو له ؛ فإذا لم تنجح علاقتك بطلابك، فهناك خيارات كثيرة أهمها الاحترام والتغاضي عن الهفوات وتقدير الإنسان .