تلعب نظرتنا للأمور دورا كبيرا في تشكيل المسار الذي نعيش به حياتنا، مثلا لو كنت ترى بأنك شخص غريب الأطباع، وبأنك لا تنسجم مع الآخرين، فلن تمر ببالك إلا اللحظات التي تصرفت فيها بطريقة محرجة في حياتك، و إن كنت مقتنعا بأنك شخص غير سعيد في علاقاتك المختلفة مع الناس ، فلن تختر لنفسك إلا العلاقات البائسة.
وبحسب علماء النفس فإن هذه القناعات تترسخ في عقولنا منذ الصغر، وقد نرث الكثير منها من أهلنا الذين نعيش معهم الحياة بكل ما فيها من مجريات، والذين بدورهم قد مروا بتجارب محبطة سابقا في حياتهم أو من الممكن أنهم لم يستمتعوا بحياتهم كما يكون .
عندما نبدأ في الانتقال للحياة الخارجية ونحن نمتلك تلك القناعات، قد نظن أننا لن نحظئ بحب الآخرين، إلا إذا نجحنا في حياتنا، أو أننا يجب أن نقدمهم على أنفسنا ونقدم احتياجاتهم على احتياجاتنا؛ لكي نرضيهم ونسعد، وقد يساعدنا ذلك في الحد من التوتر أو التعاسة لدينا، ولكن ما هكذا تكون الصورة .
لو طلبت منك أن تتخيل عزيزي القارئ أنك تقف على ضفة إحدى الأنهار، وتريد أن تصل إلى الضفة المقابلة، ومن خلفك مجموعة من الأصدقاء والمشجعين، الذين يحفزونك على السباحة فيه، ثم قررت أن تنطلق، لكنك لم تعِ إلى أين يتجه التيار، ومهما بذلت من جهد عضلي لن تتمكن من السباحة ضده، وعندما وصلت إلى الضفة المقابلة اكتشفت أن التيار دفعك بعيدا عن الجهة التي تود الوصول إليها .
ذاك نموذج مصغر يحكي واقعنا ، فنحن دائما ما تدفعنا قوى خارجية لا نملك السيطرة على مجرياتها بعيدا عن المسار الذي اخترناه عادة .
لذلك عزيزي القارئ قد يكون من الأفضل أن تدرك أن القوى المحركة لحياتك هي قوى في الغالب خارجة عن سيطرتك، وبالتالي لا بد أن تتكيف معها وتتقبلها، بدلا من أن تتوهم أنه بإمكانك التحكم فيها والسيطرة عليها وتسخيرها لتحقيق أهدافك .
نعم، لا تتخلى عن أحلامك، ولكن لا بد من الحذر من تجاهل تلك التيارات التي تدفعنا بلا حول منا ولا قوة، في سلك اتجاهات مختلفة، أو أن نظن أن قوة إرادتنا وحدها هي من ستساعدنا على مجابهة تلك التيارات؛ لأنك بذلك ستحيد عن مسارك بالتأكيد لأنك لم تعِ تلك القاعدة قبل البدء .
فاسأل نفسك دائما عندما تمر بمثل هذه التيارات، أو كلما واجهت شيئا ضايقك أو أحبطك، يا ترى هل ما أمر به من حدث يعكر صفو حياتي، هو نتيجة أفعالي وبالتالي يمكنني التحكم به، أم أنه أمر لست مسؤولا عنه، والحال كذلك في الغالب، كمثال لو كان هناك من شخص يعاملك بغير ما تستحق أو يليق بك، عندها ستقول لنفسك، ماذا لو كان الشخص الذي يزعجني مجرد شخص يريد تعكير صفو حياتي ، كذلك قد تتوجه إلى مقابلة عمل وأنت مقتنع بأن قرار صاحب العمل خارج عن سيطرتك، حتى لو كان أداؤك ممتازا، وهذا سيهون عليك الألم إن لم تجتز المقابلة وهكذا.
فالواجب عليك القول بأن كل هذه الأمور تؤثر على نفسيتي، لكني أحاول تقبلها لأنها ناتجة عن أخطاء الآخرين وليست بسببي، وتأكد بأنك بمثل هذا النوع من التفكير، ستساعد نفسك على تجاوز مشاكلك؛ لأنك بذلك ستزيح الهم عن كاهلك، ومن ثم بإمكانك أن تقرر أن تساعد الشخص إن أردت وأن تواجهه إن استطعت ، لكن الأهم من ذلك أنك لن تشعر بذلك الألم العاطفي الذي قد يتسلل إلى نفسك.
تأكد بأن هذا النمط من التفكير لا يؤدي إلى السلبية واللامبالاة، لكنه يساعدنا على أن ننعم بشيء من الراحة النفسية والسكينة، عندما تشتد الأزمات حتى نختار المعارك التي نخوضها، ولا ننفعل ونغضب كلما طرأ خلاف عكر صفو حياتنا وأوقف سيل أحلامنا واهدافنا .
انعم بحياتك ولا تحمّل نفسك فوق طاقتها؛ فهي هبة من الواجب شكر المولى عليها، والعمل على إسعادها، وتذكر بأن النظر للأمور بشكلها المنطقي والموضوعي، يجعلنا ندرك بأن بعض الأمور خارجة عن سيطرتنا، ولا ينبغي أن ندعها تكدر صفونا ، وبالتالي يساعدنا في أن ننظر إلى التحديات الناتجة عن تصرفاتنا بحكمة، حتى لا نرتكب مثل تلك الأخطاء مرارا وتكرارا.