لنا وقفة نوعية هنا حيث ارتباط ليلة القدر بالإمام المهدي (ع) وتنزل الملائكة بالروح فيها من كل عام فقد ذكرنا سابقا أن الروح غير الملائكة وفصلنا في ماهيته بأنه خلق أعظم من الملائكة يؤيد الله به أنبياءه ورسله وأوصياءه فبهم يرحم الخلق ويرعاهم لأن الأرض لا تخلو من حجة (والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده) الإمام محمد الباقر (ع) وأيضا قيل : (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) الإمام جعفر الصادق (ع) وكذلك قيل : (لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها) الإمام علي الرضا (ع) لأن الائمة الحجج من أهل البيت أمان لأهل الأرض كما النجوم أمان لأهل السماء (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي) النبي محمد (ص) فهم امتداد لآخر الرسالات السماوية والسبب المانع من نزول العذاب { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } (سورة الأَنْفال 33) وهم رواسي الأرض الملكوتية التي يحفظ الله بها الأرض أن تميد بأهلها { وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ } (سورة الأنبياء 31) .
ومن هنا نستنتج أيضا على ما تقدم من إثبات حياة الإمام المهدي (ع) على الأرض وأنه لا يعيش في بُعد آخر كما قال البعض وإن كان غائبا ولا يرى فالحجة على نوعين هما (لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه، إما ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته) الإمام علي بن أبي طالب (ع) وقيل : (لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور) الإمام جعفر الصادق (ع) ، فحتى إن كان من النوع الغائب المستور فإن شعاع فوائده تكون حاضرة وإن جهلها الإنسان (وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله عز وجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فان ذلك فرجكم) الإمام المهدي (ع).
ليلة القدر من التقدير الذي ينزله الله في كل عام حين يقدر الآجال والارزاق وكل أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } (سورة الدخان 4 - 5) ويتفق العلماء على استمرارية ليلة القدر حتى بعد وفاة الرسول محمد (ص) فالملائكة والروح تتنزل كل عام بقدر الله على خلفائه الائمة من بعده وفي وقتنا الحاضر يكون خليفة الله الشرعي في أرضه ووصي رسوله هو الإمام المهدي (ع) فهو السبب المتصل بين الأرض والسماء وواسطة الفيض الرباني على عباده فعليه تتنزل الروح بما فيها من مقادير سنوية قدرها الله لأهل الأرض { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } (سورة القدر 1 - 5) .
فلا يمكن أن تتنزل الملائكة بمقادير الله وأسراره الغيبية إلا على قلب إنسان معيّن من قبله لديه القابلية الروحية لاستقبالها والقدرة على حفظها وتنفيذها { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } (سورة النحل 2)
وإذا ما أردنا التفصيل فيما ذكرنا سابقا من أن روح القدس حاليا تكون بمعية الإمام الحالي للأرض وهو الإمام المهدي (ع) لأنها لم تصعد للسماء من بعد النبي محمد (ص) وإنما انتقلت للائمة من بعده واحدا بعد آخر ... إذن ماهية الروح القدرية التي تتنزل كل عام بمعية الملائكة الكرام وكيف نفرّق بينهما ؟
نقول إن (روح القدس الكلية) هي حاليا بمعية الإمام المهدي (ع) لترشده وتحميه وتعينه على أداء مهامه الموكلة اليه من الله تعالى في إدارة شؤون الحياة .
أما (روح القدس القدرية) إن صح التعبير فهي روح جزئية تتنزل بشكل سنوي على قلب الإمام تندمج مع الروح الكلية وفيها جميع التقديرات الإلهية لمدة سنة كاملة ... هذا والله اعلم .