أحد عشر كوكبًا ، أو شقيقًا هم السّند ، يُشدُّ بهم العضد ، ويهون بهم المُصاب ، يفرحون وقت الفرح، ويبكون وقت الحزن بقلوب تتفطّر ألما ، وتعلو أصواتهم بالحبّ استبشارًا لنجاحك .
إننا لن ندرك حجم الأخوة إلا عندما نرى أحدهم قد ودّع أخاه بقلب يتفطّر وجعًا ، قد شعر بغصص الموت وهو يُبصر أخاه يحارب كورونا ثم يصرعه هذا المدعو مودعًا أحبته ، ليس أمامك إلا أن تُبصر صورته وهو يتلوّى ألمًا ، وإذا اقتربت منه سوف تسمعه يقول :
أخي الحبيب غدرت بك رياح كورونا الخائنة وأردتك إلى القبور فكانت لك سكنا ، ولم أستطع على الرغم من قوتي أن أصنع لك شيئًا .
بدونك يا أخي أنا ( كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح ) لن أنسى يدك التي مددتها لي مرارا عندما أصابتني حوادث الزمن .
أتعلم يا أخي أنّك سيد قومك ؟ وكنتُ العبد لك ؛ لأنه في واقع الأمر ( الناس عبيد الإحسان إليهم ) ومن يجاريك في الإحسان والعطاء والكرم ، كنت ردائي الثقيل في يوم لاذع البرد فكيف لي أن أخلعه الآن ؟! وكنت الهواء العليل الذي سدّ كورونا منافذه عليك ، ليت كلّ الهواء الذي أتنفس فداء لك ، عدْ لمرّة واحدة فقط حتى ألثم قدميك !
إنني لا أعلم شيئا عن حوادث الولادة غير أنّها تصنع أشقاء ؛ ولكن ولادتك كانت ذات طعم آخر فقد جمعتَ بين الأخ والأب في آنٍ واحد .
بالأمس كنت معي ، واليوم رحلتَ فجأة لم تطلْ البقاء ولم تكن يوما ضيفا ثقيلا .
رحمك الله وأحسن لك كما كنت دائما تُحسن لي ولإخوتنا .
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ( سورة الأعراف : 151).
إنّك مهما قلّبت صفحات النّسب لن تجد أجمل من علاقة المرء بأخيه ، وأخته ، ومهما جرحك أصدقاؤك ، لن ترى أحنّ وأشفق من يد أخيك الحانية ، يربت أخوك على كتفيك وقت حاجتك لمُتَّكأ فتتكئ عليه ، يأخذُك أخوك لعالم من الاطمئنان والهدوء والسكينة بعيدًا عن العواصف البشرية ، يُنسيك همومك ، يجعل ذاكرتك تضجّ بأحلى الأوقات التي جمعتكما تحت سقف واحد ، حيث الألم نفسه ، والفرح نفسه ، والأمل نفسه ، تلاحقكما ذكريات واحدة ، وتجمعكما أحداث موحّدة .
( أنا وأخي سبحنا في بطن واحد ) كما تقول والدتي ، لن أنسى صُراخ أخي وهو طفل صغير .
حتى وإن كنت لا أُجيد فهم حديث الأجنة في بطون أمهاتهم ؛ ولكنني أتذكّرُ جيدا ساعة إنجاب إخوتي وأخواتي الأصغر منّي سنّا ، أتذكّر كيف كانت أختي الكبرى تهتم بشؤوننا وقت غياب أمي ، ومازلنا نحتفل في عيد الأم بأُمّين اثنتين فالأخت الكبرى هي أم أيضا .
في مجتمعنا المغلق وفي رحاب عائلتنا نتذكر جيدا ساعات استذكارنا لدروسنا ، ذهابنا لمدارسنا ، مقاطع الحياة الجميلة التي علقت بذاكرتنا معًا .
وعلى خلاف ذلك فإن مكايدة الإخوان تقطع الأرحام ، وتُورث الذّل ، وتكسر الظهر واستنادًا لما ذكرت فقد حثّ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله على الاحتفاء بالإخوة والبر بهم حيث يقول :
( برّ أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك )