ظهر مفهوم الكايزن في اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وبه استطاعت النهوض والتفوق على العالم اقتصاديا وصناعيا في السنوات اللاحقة والكايزن في اللغة اليابانية تعني ( التغيير للأفضل أو التحسين المستمر )
تكمن فلسفة الكايزن في التحسين المستمر بخطوات صغيرة للحصول على نتائج كبيرة في نهاية المطاف كما يقول المثل الصيني: طريق الالف ميل يبدأ بخطوة ، بمعنى التغيير المتدرج كماً وزماناً للحصول على نتائج ايجابية، فلا ينبغي ان يحدث التغيير بشكل فجائي او في وقت قصير وبكميات كبيرة والا ستكون له انعكاسات سلبية .. هذا المبدأ طبق في الأصل على الشركات الصناعية والتكنلوجية بداية ثم ما لبث ان انتشر عالمياً في شتى مجالات الحياة الادارية والتجارية والتعليمية والصحية والرياضية والتنمية الذاتية والبشرية ، حتى أصبح علما يدرس تنتهجه الكثير من المنظمات لتطوير نتائجها وتحسينها.
لا شك ان هذه الاستراتيجية الفعالة جاءت نتيجة تراكم خبرات البشر الحياتية وفهم قدرات النفس البشرية فكانت مطبقة هنا وهناك بنمط جزئي حتى جاء الياباني (تاييشي أوهونو) لينظّر لها بشكل عملي فهل توجد نصوص قديمة في التراث الإنساني سبق وطرح مثل هذا المنهج الجميل؟
أولا: من ناحية مبدأ الحث على العمل الصالح وأهميته في اكتساب الخبرات يقول الله تعالى في كتابه { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة التوبة 105).
ثانيا: الاتقان في العمل مطلب هام لتحسين جودة العمل والمخرجات ، قال الله تعالى { صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } (سورة النمل 88) والنبي محمد (ص) يقول (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وفي مناسبة أخرى قال (ص): (الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه) وللتأكيد أيضا قال (أن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن) .
ثالثا: العلم قبل العمل مطلب مهم جدا لتصبح النتائج ذات جودة عالية وواضحة من دون تخبط او خطأ وهنا يقول النبي محمد (ص) (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) ويقول وصيه الإمام علي بن ابي طالب (ع) (العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح) .
رابعا: استغلال الوقت في التطوير المستمر وتنظيمه بشكل يومي ومستمر فقال تعالى { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (سورة طه 114) حث من الله على الاجتهاد في العلم والعمل وطلب الازدياد المستمر ولو في آخر رمق من الحياة كما قال رسول الله محمد (ص) (إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها) بل ومراجعة الخطوات وتصحيحها ان كان بها خطأ والتأكيد على الخطوات الصحيحة فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) قوله الشهير : (من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون) وفي نسق آخر قال: (من اعتدل يوماه فهو مغبون ومن كان غده شرَّ يوميه فمحروم) وهنا قمة الكايزن العلوي في لفتة قوية للحث على التطوير والتحسين اليومي المستمر واهميته في الحياة فينبغي للإنسان ان يكون يومه افضل من أمسه وغده افضل من يومه الحالي ولو بخطوة واحدة للأمام واذا ما حدث العكس من تراجع بعد تقدم سيكون مستواه في خسارة لأن الدنيا تسير في تقدم واذا ما وقف الانسان عن الازدياد فهو حتما في تراجع مستمر فقال عن ذلك (ع) : (في كل وقت عمل) وأيضا : (من يعمل يزدد قوة ومن قصر في العمل يزدد فترة) .
خامسا: للنفس إقبال وإدبار في طلب العلم والعمل فينبغي عدم تحميلها جهدا أكثر من اللازم حتى لا تتململ وتنفر مما هي عليه قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) : (ان للقلوب اقبالا وادبارا فاذا اقبلت فاحملوها على النوافل واذا ادبرت فاقتصروا بها على الفرائض) وهذا ينطبق على جميع الاعمال العبادية ومن ضمنها طلب العلم والتعلم وكذلك يشمل أداء الاعمال والكد ، فالتوازن مهم في التعامل مع النفس ففي حالة الاقبال والنشاط انتهاز الفرصة للإنجاز والعمل مع الزيادة ان امكن ما دامت الهمة عالية وحماس النفس مستفيض وفي حالة الادبار والفتور الاقتصار على الأساسيات حتى لا يكون العمل شاقا ومن دون رغبة فتكون النتائج غير مرضية فالمداومة على القليل الجيد أفضل من الكثير السيء وبهذا الصدد قال الامام علي (ع) :(قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول منه) وأيضا قال : (أفضل العلم أدومه وإن قل) لأن التعلم والعمل القليل المستمر هو ما يحصد في النهاية الثمار والنجاح وهو ما يجعل النفس في حالة سعادة مما يجعل الذاكرة مسترخية وهي تستقبل المعلومات وتكتسب الخبرات دون تكلف او ضغط عليها وهذا معنى الكايزن او التحسين المستمر والتغيير نحو الأفضل .
نذكّر هنا كيف ربطنا الكايزن كمهارة للتعامل مع النفس واستراتيجية لاستقبال المعلومات في الذاكرة وتخزينها كخبرات على المدى الطويل وكمهارة لإحداث التغيير والتحسين في شتى مجالات الحياة بشكل ذكي ومحبب للنفس .