الخوف حالة خلقت مع الإنسان منذ أن كان جنينًا ، حيث أمه تخشى ما تخشى عند الولادة ، وجنينها في ظلمات ثلاث لا ضوء ولا هواء ، يدفع برجليه بطنها صارخاً خائفًا من عالم يبصره بعينيه لأول مرة .
لم يكن يعلم هذا الصغير أن في انتظاره ما لو عرفه لفضل البقاء في بطن أمه إلى الأبد !
خلق الله الوجود ، وعمر هذه الأرض بالإنسان الذي سيشقها طولاً وعرضاً ، يقتات من خيراتها ويرتع من ملذات الحياة ما يشبع نهمه ، طلبًا للراحة والعيش الرغيد.
وما إن يشب ويختط شاربه ، يرى ما تحدثه الحياة من تغيرات وأحداث ، تبدل نظرته السابقة من كون الحياة مرحاً ورفاهية إلى نظرة جديدة تتوافق وسنة الكون ، وهي أن الله تبارك وتعالى خلق الناس فمنهم شقي وسعيد ، وكما أنك تتقلب في ملذاتها ستنال نصيبك من شقائها وقسوة أيامها ومرارتها.
تضيق علينا الدنيا ونشعر بأننا نعيش على مشارف نهايتها ، فلا نحن في حصانة من الابتلاءات ولا بمنأى عما يحصل في هذا العالم من تحولات سريعة تقض المضاجع وتسرق لحظات السلام من القلوب التي تنشد الأمان والرخاء والطمأنينة .
أن يكون الإنسان جبلًا لا تهزه الرياح التي تعصف بمن حوله ، فهذا نراه في لوحة فنية يرسمها بخياله ، ليجعل من نفسه رجلاً حديدياً ، لا تؤلمه النار التي تشتعل في رأسه ، فتصهره ويتشكل في قوالب مميزة.
والإنسان مخلوق من لحم وعظم بينهما قلب يتأثر ويتألم ، يحزن ويفرح ، ويمثل هذا القلب مصدر توازن هذا الإنسان ، إذ تتسارع نبضاته وفق سيل المشاعر التي تعانقه سلباً وإيجابًا .
القلب هذا الكائن العظيم ، يمر بمنعطفات خطيرة في زمن " كوفيد" فكلما لملم أشلاء نبضه وتماسك ليعين صاحبه ، تفاجأ بمن يثنيه عن الثبات ، لتترنح دقاته بين فينة وأخرى مع كل شاردة وواردة تتمتم بذلك المدعو " كورونا" .
وعلى رغم بشائر الأمل إلا أن هناك من تشرب بحالة عصية من بقايا اكتئاب ، أو هوس بث الرعب والقلق ، ناسيًا أن هناك من يقول للشيء كن فيكون ، وهو القادر على صنع المعجز بلمح البصر .
فما أجمل أن نعيش حالة الرضا بتدبير الجواد الكريم ، وننشر هالة الطمأنينة في قلوب أحبابنا ، ففيهم ما يكفي !
فهناك من يتسابق في التبشير بما يدخل السعادة على أقاربه وأهله ويهرب عن نقل ما يحزنهم ، ولا يقوم بهذا الفعل إلا من منحه الله طاقة هائلة من الإيمان واليقين والتفاؤل ، وهذه منحة والله عظيمة ، يقذفها الله في قلوب عباده الصالحين نسأله أن نكون وإياكم منهم .
وكما تحث الروايات على استحضار التباكي عند الوقوف أمام رب العزة والجلال وعند مصيبة سيد الشهداء (ع) إذا لم تجري الدموع طواعية ، لا يمنع أن نتصنع الثبات والفرح ، فذلك خير من نشر التعاسة والتحبيط والتشاؤم.
ولله در الشاعر الذي نسج هذه الأبيات ليمنحنا جرعة أمل تساعدنا على التعلق بالله والرضا بأمره ، فهو الملجأ ولا مفر منه إلا إليه ، وما طرق بابه أحد بصدق ويقين وإخلاص ، إلا أغدق عليه من خيرات عطائه ما يبلل قلبه ويشرح صدره ويعيد مسار حياته لما هو أفضل .
وتشاء أنت من البشائر قطرة * ويشاء ربك أن يغيثك بالمطر
وتشاء أنت من الأماني نجمة *ويشاء ربك أن يناولك القمر
وتشاء أنت من الحياة غنيمة * ويشاء ربك أن يسوق لك الدرر
وتظل تسعى جاهدا في همة * والله يعطي من يشاء إذا شكر
والله يمنع إن أراد بحكمة * لابد أن ترضى بما حكم القدر
" كل مُرّ سيمر" ، " وما ضاقت إلا لتفرج " ، " وكل شدة ستزول " عبارات وأماني تكفل الله جل شأنه بتحقيقها ، حتى في أحلك الظروف وأعسرها .
وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ * فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ (2).
لنواجه صعوبة أيامنا بالثقة والإيمان بالله ، وقد مررنا بأيام عصيبة ، وعلى رغم أن خسائرنا في أحبابنا كبيرة ، إلا أنه لا بد أن نتجاوز هذه المرحلة ، باستشعار الوعي والمسؤولية والعلم بما يحدق بنا ، فيجب أن نكون أقوياء بما يكفي لننتصر في هذه المعركة .
أمانينا لها ربٌّ كريمٌ * إذا أعطى سيدهشنا العطاء ُ (3)
(1) اختُلفَ في قائلها.
(2) أبي حاتم السّجستانيّ.
(3) ابن الجوزي.
التعليقات 1
1 pings
سهام البوشاجع
2021-02-02 في 11:53 ص[3] رابط التعليق
أحسنت فالتفاؤل لدى العقلاء نعمة ولدى الغافلين قد يكون نقمة فكم نفوس اطمئنت حتى تراخت فأصابها ما أصابها وكم من نفوس عقلتها وتوكت على الله واحترزت حتى أغدق الله عليها رخاء فوق رخاء والمسألة منوطة بالفكر والتعقل ونعم للإيجابية والتباشير دور حتى في تعزيز المناعة ورفع الوباء …بورك في قلمك