تعرف الغيبوبة بحالة فقدان الوعي العميق لأن الانسان خلالها لا يستطيع التفاعل مع البيئة المحيطة به ولا يستجيب للمؤثرات الخارجية نتيجة امراض او إصابات في الرأس وتعتبر الغيبوبة بمثابة شلل تام (إسبات) عدا أجهزة الحياة الأساسية تبقى تعمل مثل التنفس والدورة الدموية ، ويمكن ان تستمر هذه الحالة لأيام او شهور او حتى سنين ويذكر التاريخ الطبي عن حالات شفيت وتعافت مع الوقت وبعضها لم تشفى .
هناك حالة أخرى مشابهة للغيبوبة واعراضها تعرف بالحالة الإنباتية تختلف عنها قليلا بزيادة حركات عفوية كفتح العيون وتحريك الأطراف من دون وعي او ادراك .
ما يهمنا ذكره هنا ان حالة الغيبوبة أي غياب الوعي عبارة عن غياب للنفس عن الجسد او تغير في مستوى تذبذبها الطبيعي كما يحدث في حالة النوم حيث تخرج النفس (الوعي) وتسافر مخترقة للزمكان مع الشعور الحقيقي فعليا ، فهذا يعني تحولها من مستوى نشاط ذبذبي لآخر (لم يحدد بعد حسابياً) كما يصرح القرآن بذلك { اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة الزمر 42) تخرج النفس من الجسد بشكل طبيعي لا إرادي في المنام والاحلام وتعود اليه بسرعة تفوق سرعة الضوء حين الاستيقاظ وكأنها عادت من موتة صغرى ، وللتأكيد على هذا المعنى نجده في آية أخرى قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة الأَنعام 60) .
وهناك مفهوم آخر يعرف بـظاهرة (الإسقاط النجمي، البعد النجمي، الجسم الاثيري، الجسم الخفي، العين الثالثة، الحاسة السادسة، الاستبصار، با، أر، باردو، الجسم الطاقي) مسميات لثقافات متنوعة معناها خروج النفس والوعي من الجسد الفيزيائي بشكل ارادي واختياري ففي كلا الحالتين تبقى طاقة الروح تغذي اجهزة الجسد الحيوية التي تقوم عليها حياة الانسان ..
ونحب التنويه على مسألة الالفاظ وتصحيحها فمن الخطأ القول (خروج الروح) من الجسد في حالة الاحلام او الاسقاط النجمي فالصحيح هو (خروج النفس) او الوعي لأن الروح عندما تخرج من الجسد يحدث الموت بشكل نهائي فالروح نفحة الحياة من الله الخالق طاقتها النابضة تغذي النفس والجسد أيضا .
نذكر هنا ان خروج النفس من جسد الانسان ويعبر عنه أحيانا بخروج الجسد الاثيري هو كما قلنا عبارة عن جسد ذبذبي آخر مطابق ومتداخل مع الجسد المادي الفسيولوجي كمزيج متناغم يؤثر ويؤثر عليه، فعندما يخرج من الجسد البيولوجي تذكر الثقافات المختلفة المتداولة عالميا عن رابط او حبل فضي من نور يصل بين الجسدين لتلقي المعلومات والصور المشاهدة اثناء الخروج هذه المعلومة المتفق عليها بين الحضارات لابد لها من مصدر رباني موثوق أسبغها على البشر كيف لا وهو الخالق العليم عالم الغيب والشهادة يعلم ما في السماوات والأرض وما بينهما وخالق فطرة الناس جميعا فلا تبديل لخلقه ..
في الحضارة الإسلامية وردت أقوال واضحة وصريحة مشابهة لهذا الطرح في كتب التفاسير فقد جاء عن الإمام محمد الباقر (ع) قوله : (ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس وإذا أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح وهو قوله سبحانه ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ فمهما رأت في ملكوت السماوات فهو مما له تأويل وما رأت فيما بين السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له) .
وقول آخر يعزز المعنى لابن عباس (رض) (في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك فإذا نام قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وإذا مات قبض الله نفسه وروحه)
ونضيف الى علات وجود هذا الحبل او الرابط كما قلنا لنقل المعلومات بين الجسدين وأيضا يكون بمثابة مسار خاص لكل نفس لتعرف به طريق العودة، وبالمعنى العلمي الحديث لو قاربنا مضمون ما ذكر وخصوصا كلمات مثل : كشعاع الشمس .. يدل على ان لكل انسان شفرة اتصال خاصة به وطريق فيما لو خرجت نفسه من جسده لأي سبب كان كالنوم او الاغماء .. فيوجد بث واتصال مباشر بينهما بتردد مشفّر لا يطلع عليه احد الا الله الخالق { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } (سورة ق 16) والشياطين أيضا يمكنها الدخول على الخط لإحداث الاحلام الشيطانية { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } (سورة الإسراء 64)
لكي نقرب المعنى نشبه هذا الوضع بالبث الفضائي التلفزيوني حيث لكل قناة تردد موجي معين يفرق عن الترددات الاخرى برقم واحد يغيّر من احداثياته ، او كالاتصال الصوتي كيف ان انسانا في المشرق يتصل بهاتف انسان آخر في المغرب عبر رقم معين مشفر بينهما لا يطلع عليه احد إلا أحيانا من قبل شياطين الانس المتنصتة.
نستفيد أيضا من هذه الاخبار والاقوال التأكيد على ان النفس تضم العقل والتمييز (الوعي) وليست ضمن نطاق الدماغ البيولوجي وان كانت تسكن حيزه وعن النفس فإنها تخرج من الجسد وتعود اليه وإذ لم تعد تحصل حالة الغيبوبة او الحالة الإنباتية أما الروح تبقى في الجسد تمده بالحياة وجزء من طاقتها يغذي النفس وان كانت خارج الجسد عبر (شعاع من نور) ... هذا والله اعلم.