كونها التجربة الأولى على المجتمع العربي عامة والسعودي خاصة وبسبب ظروف جائحة كورونا "كوفيد-19" غدا أكثر من 6 مليون طالب وطالبة يخوضون الاختبارات من منازلهم وعبر أجهزتهم الخاصة "عن بعد"
عنوان أو مقدمة كهذه تثير شهية القارئ لمعرفة المزيد من التفاصيل والتحضيرات وكيف استعدت الأسر لخوض مثل هذه التجربة إذ تعد الأولى من نوعها التي يعيشها كل أفراد الأسرة، ففي الأمر الذي لا يعد بالجديد على أولياء الأمور توجيه أبنائهم وبناتهم للمذاكرة والجد فيها ، يتزامن مع ذلك الأمر الجديد على الأبناء والبنات الطلبة ظروف الاختبارات برمتها، إذ لا مقاعد متباعدة ولا قاعات كبيرة ولا أجواء اختبارات اعتادوا عليها لسنوات طويلة سابقة.
تقول: سارة محمد (أنا كولية أمر وأم لثلاثة أبناء وفي مختلف المراحل أكبرهم في الثانوية والثاني في المرحلة المتوسطة والصغير في الصف الأول الابتدائي، عانيت كثيرا في بداية الأمر ، إذ لم يكن سهلا على أبنائي محمد وعلي أن يتقبلوا فكرة تحجيم المدرسة في جهاز وعدم اللقاء بأساتذتهم وأصدقائهم، ومع مرور الوقت ربما اعتادوا ولكن ليس بالنسبة الكبيرة إنما الظروف أجبرتهم على ذلك والآن قرب الاختبارات ، ولا أجد تلك الجدية في المذاكرة التي اعتدت على شياعها في السابق في مثل هذه الفترات وربما الأمر يعود إلى كون الاختبارات أصبحت "عن بعد" ومن المنزل وبقربنا ولا نكابر بالتأكيد قرب الكتاب، فهم ذاكروا وراجعوا مع أساتذتهم إلا أنهم مطمئنين كثيرا لخوض هذه التجربة ولا ننسى دور الأساتذة في هذا الاطمئنان فقد جربوا معهم دخول قاعات افتراضية وطريقة الاختبارات عن طريق "الفورمز" قبل أيام وقبل بدء الاختبارات يوم الأحد بإذن الله.
أما أبني عمران الصغير فما زلت حقيقة أعاني معه فكرة تقبل المدرسة في "الجوال" ولم نشأ حقيقة أن تكون تجربة ابننا الأولى في الدراسة بهذه الطريقة ، إلا أن الأقدار شاءت هكذا أن تترتب وتكون، ندعو الله تعالى أن تعود الحياة إلى سابقتها المعتادة لننعم بحياة جميلة خالية من الأمراض والأوجاع.
كان حديث سارة واقعيا فرض نفسه كمحاكاة لكثير من البيوت في المجتمع تمر بنفس الظرف ونفس الآثار الإيجابية والسلبية على كون الدراسة جاءه هذا العام الكرتونية والاختبارات "عن بعد"
أحمد إبراهيم والد لإثنين من الأبناء، فتاة في المرحلة الأخيرة من الثانية وفتى في الأول ثانوي يقول: أحمد (لا أخاف على أبنائي كون الدراسة جاءت على هذه الشاكلة وكذلك الاختبارات هذا العام لأن استخدام الأجهزة الالكترونية لعبة هذا الجيل بأكمله وكلنا يعرف أن أبناءه أكثر حرفية منه بل أحيانا نلجأ إليهم ليعلمونا خبايا الأجهزة والمواقع والبرامج الالكترونية، ما أخشاه على أبنائي فاطمة وحسن هو فقط الظرف النفسي الذي يجنون آثاره منذ أن بدأت الدراسة وكوني طبيب نفسي أراقب عن كثب تصرفات أبنائي منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه الوزارة أن الدراسة هذا العام ستكون الكترونية وربما يمتد الأمر حتى الاختبارات وما بعدها، حينها بدأت أشعر بالقلق على نفسياتهم وكيفية تقبلهم للأمر إلا أن لكل شيء بداية تكون وقعها على النفس كبيرة وتخف مع الوقت إلى أن تتقلص ويعتاد عليها المرء ولا نقول لتعود كأنها لم تكن، ولكن تكون أخف وطأة وأقل أثرا، وهذا ما لاحظته على أبنائي إذ بدأوا بتقبل الدراسة عبر أجهزتهم الشخصية يوما بعد يوم، وعن الاختبارات وأجوائها أجدهم جادين في الدراسة ومع تسهيلات المدرسة والمعلمين لهم بالمراجعات والمحاكاة ليوم الاختبار اطمأنت أنفسهم ، وحقيقة لم أرَ فاطمة منذ سنوات يكون لديها ساعات تقضيها معنا في مرح في مثل هذه الأيام وقد كنا نترقب هذه السنة كونها الأخيرة والحاسمة لما قبل الحياة الجامعية ولكنني متفائل في ظل ما أراه من نتائج إيجابية أمام عيني.
أحمد وغيره من الآباء الذين يعيشون نفس هذه التجربة كون أبنائهم في مرحلة عمرية تؤهلهم لتقبل تغيرات الظروف في الحياة نوعا ما، نجدهم أكثر استقرارا وطمأنينة على ابنائهم عكس من لديهم أبناء أصغر وفي مراحل دراسية أولية.
لكن والد أحمد كانت له وجهة نظر أخرى وبوجهه المليء بالتجاعيد الكثيرة التي توحي بالخبرات والتجارب الكبيرة وبابتسامة عريضة قال: كنا في زمن نحفر فيه الصخر حتى نتعلم واليوم تسهلت كل الطرق حتى الاختبارات أصبحت تقام والأبناء على أسرتهم وفي غرف نومهم، ثم أردف بقوله: أخشى عليهم حياة الترف هذه ألا تصنع فيهم القوة والشجاعة كما كنا سابقا وأتمنى أن أكون مخطئاً فربما تصنع منهم شيئاً مميزا يختلف عما كنا نحن وينفع جيلهم وطريقة معيشتهم فلقد اختلفت الأمور والحياة وكل شيء.
وإن اختلفت الأمور يا جدي وكذلك الحياة فالإنسان الذي أحسن الله خلقه قادر على أن يكيف تلك الأمور وتلك الحياة لصالحه وصالح مجتمعه ولا ننكر بأننا واجهنا عاما خلط الكثير من الأوراق أنجز مهام وأثبط مهام أخرى إلا أن أيامه أكسبتنا الكثير من التجارب الجميلة على مستوى الفرد والأسر والمجتمع بأكمله وحتى الأبناء الصغار تعلموا كم من الأمور في وقت قصير لم يكن ليتعلموها في الظروف العادية السابقة.