في العام 1973م ظهر مفهوم البرمجة اللغوية العصبية او ما يعرف بـ NLP على يد العالمان د. جون غريندر أستاذ مساعد للغويات وريتشارد باندلر عالم نفس ورياضيات وغيرهم ممن أضافوا الكثير لهذا العلم المستحدث مثل د. فرجينيا ساتير طبيبة المشاكل العائلية الشهيرة وكذلك ملتون اريكسون مكتشف لغة ملتون والتنويم الإيحائي ..
( القدرة على استخدام لغة العقل بطريقة إيجابية تمكن الفرد من حل المشكلات وتحقيق الأهداف والنجاح في الحياة ) هذه فكرة ومحور علم NLP وله تعريفات أخرى مثل (علم النفس الايجابي) (هندسة التفوق البشري) (تقنية التغيير والابداع والانجاز) ويمكن تطبيقه في شتى المجالات مثل :
- تطوير القدرات الشخصية
- تطوير الأداء والمهارات
- التربية والتدريب والتعليم
- الجانب الأسري والاجتماعي
- الإدارة والتجارة والأعمال
- الإعلام والتسويق
- علم الطاقة والمكان
يرتكز هذا العلم على (قواعد وأركان وافتراضات نفسية مسبقة) بنيت عليها الدراسات والمؤلفات وافتتحت المراكز والمدارس وأقيمت الدورات التدريبية فكان الاقبال عليها كبيرا فقد أحدثت نقلة نوعية في مجالات التنمية الذاتية الفردية او التنمية البشرية الجماعية فقد وسعت الخيارات والقرارات المتاحة للفرد وقننت الأخطاء وطورت أسس التفكير والتغيير والابداع فأصبحت المخرجات البشرية أفضل وأسرع من أي وقت مضى وهذا ما يشهده المراقب في العصر الحديث .
لقد استطاع علم NLP ان يختصر ويختار أفضل ما توصلت اليه البشرية بطريقة النمذجة من العلوم والقدوات والخبرات السابقة التي قام على أركانها مثل علم النفس بأنواعه وعلوم التربية والأخلاق والتجارة وفنون التعامل مع النفس والعلاقات بالآخرين ، والتي في الأصل جذورها التاريخية تصل لتعاليم الانبياء والرسل المرتبطين بالوحي المنزل من خالق الوجود والبشر .
أخرجت البرمجة اللغوية العصبية مفاهيمها بكلمات جذابة وقوية تشد السامع او القارئ واعطت الامل للإنسان انه مهما بلغ من العمر والفشل في الحياة فهو قادر على تجاوز ذلك وإعادة تأطير حياته من جديد تحت اطر وفرضيات تقوم ببرمجة العقل عبر تحديث بيانات القناعات السلبية السابقة واحلال القناعات الإيجابية بدلا منها .
ما نود التأكيد عليه هو ان مفاهيم وكلمات البرمجة اللغوية العصبية ليست بالجديدة انما فقط استبدلت بألفاظ حديثة وجاذبة علما ان مكونات الانسان ثابتة من الجانب الوظيفي وانما الاختلاف في المسميات التي يطلقها مكتشفوها وإلا ليس هناك أي تعارض بين اكتشافات العلم الحديث وما ورد في الاخبار الدينية السابقة بل يعد هذا تصديقا لما كان يعتقد انها غيبيات وخرافات قد ثبتت علميا واكلينيكيا في العصر الحديث.
على سبيل المثال لو اخذنا اسم هذا العلم ومفهومه ورجعنا به للوراء لوجدناه متطابقا مع مفهوم هام وشائع ويعرفه الجميع وإن اختلف المسمى إلا ان المضمون الوظيفي واحد ، كما في الشكل التالي:
وهذا اعتراف صريح بوجود النفس في الجسد وان كانت لا تُرى وما ذكر عنها في الإرث الديني والتاريخي ودورها الأساسي على مخرجات الانسان من اقوال والفاظ وافعال وسلوك فهي من تحدد الشخصية والمصير بحسب نوع المدخلات .. فمن استطاع ان يربي نفسه سيسيطر عليها فبالتالي تصبح لديه ملكة التحكم في الألفاظ والسلوك فقال تعالى :
- { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (سورة الشمس 7 - 10)
- { وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } (سورة العنْكبوت 6)
- { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } (سورة الروم 44)
- { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } (سورة الجاثية 15)
- { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (سورة العنْكبوت 69)
اذن كل عمليات التربية والتعليم والنجاح والفشل والتغيير تنطلق من النفس { إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الرعد 11) فالنفس هي محور بناء الانسان والتي تحدد شخصيته وسلوكه ومصيره فمن اهتم واعتنى بها جيدا ضمن أطر وأنظمة صالحة فقد نجح { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } (سورة النازعات 40 - 41) ومن اساء اليها واهملها فلن يجني سوى الفشل والخسران { إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } (سورة الشورى 45) وكذلك اكدت اخبار الأنبياء والمرسلين على أهمية تزكية النفس كما قال النبي عيسى (ع) : (بحق اقول لكم ان النفس نور كل شيء وان الحكمة نور كل قلب والتقوى راس كل حكمة) وأيضا روي عن النبي محمد (ص) عدة اقوال عن أهمية تربية النفس ومنها :
- ذكر الامام علي ع : إنّ رسول الله بعث سَرِيَّةً فلمَّا رجعوا قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس .
- قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة العبد هواه .
- أفضل الجهاد أنْ تجاهد نفسك وهواك في ذات الله تعالى .
- جاهِدوا أنفسكم على شهواتكم تحلّ قلوبكم الحكمة .
- أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جَنبَيْهِ .
- جاهدوا أهواءَكم كما تجاهدون أعداءَكم .
- جاهِدوا أهواءَكم تملكوا أنفسكم .
- المجاهد مَن جاهد نفسَه في الله .
ومن حكم الامام علي بن ابي طالب (ع)واقواله حول تربية النفس :
- جهاد النّفس بالعلم عنوان العقل .
- آية المجاهدة أنْ يجاهد المرءُ نفسَهُ .
- مَن جاهد نفسه أكمل التقى .
- من حاسب نفسه وقّرّ .
- من صان نفسه وُقّر .
- صلاح النّفس مجاهدة الهوى .
- سبب صلاح النفس الورع .
- جهاد النفس مهر الجَنَّة وجهاد الهوى ثمن الجَنَّة .
- ذروة الغايات لا ينالها إلاّ ذوو التهذيب والمجاهدات .
- أفضل الجهاد جهاد النفس عن الهوى وفطامها عن لذّات الدنيا .
- اعلموا أنّ الجهاد الأكبر جهادُ النّفس، فاشتَغِلُوا بجهاد أنفسكم تسعدوا .
- جاهِدْ شهوتَكَ وغالَبْ غَضَبَكَ وخالِفْ سوءَ عادَتِكَ تَزكى نفسُكَ ويكملُ عقلُكَ وتستكمل ثوابَ ربّكَ .
وكذلك نستشهد بهذا القول الرائع للكاتب فرنك أوتلو حينما لخص الفكرة بشكل مختصر ومؤثر فقال :
نستنتج من هذه الاقوال المعرفية والحكيمة ان الانسان يصنع شخصيته من خلال تربية (مجاهدة) النفس وتدريبها على فعل الخيرات وترك الأخطاء والذنوب فمن هنا نتأكد من مصادر (البرمجة اللغوية العصبية) الأولية الاصيلة { خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } (سورة الرحمن 3 - 4) وان الاختلاف فقط في التسميات التي خضعت للتغيرات الزمانية والمكانية وأيضا الاختلاف في شكل ونمط الطرح الذي يناسب العصر الحديث وتقنياته وهذا دليل آخر على ان الانسان في العصر الحاضر بدأ يستعيد عافيته المعرفية الحقيقية بعد ان اضاعها دهورا حيث بدأ يقترب شيئا فشيئا من فطرته التي فطره الله عليها رغم عبث شياطين الجن والانس فلا يصح إلا الصحيح في النهاية ولو بعد آلاف السنين من المحاولات لطمسها { فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ } (سورة الروم 30).