متلازمة الموهوب (اسبرجل) حالة طبية نادرة تطلق على الشخص العبقري ذو القدرات الفائقة الاستثنائية ومع ذلك تكون شخصيته فيها نوع من الغرابة كالتوحد والانعزال الاجتماعي او التأخر في النطق وفرط الحركة، ولا يعرف السبب الحقيقي خلفها إلا ان بعض النظريات ترجعها الى خلل في الجهاز العصبي او تلف في الدماغ نتيجة وراثة جينية او إصابة مكتسبة ويصاب بها الصغار والكبار على حد سواء وربما تخف تدريجيا مع التقدم في العمر عند البعض ولها درجات ومستويات تختلف من شخص لآخر .
نشير الى ان اغلب الشخصيات المميزة على مر التاريخ البشري كانت مصابة بنوع من هذه المتلازمة الجميلة التي ربما اودعها الله في نفوس وعقول بعض الشخصيات للقيام بمهمات تقدمية او قفزات فارقة في سلم الوعي البشري سواء على المستوى العلمي كالمفكرين والمخترعين والمؤلفين والفلاسفة او على المستوى الفني والفنون كالرسامين والمصممين الموسيقيين والشعراء والحفظة أصحاب الذاكرة القوية .
متلازمة الموهوب غير مصنفة على انها مرض نفسي اطلاقا ويشتبه البعض بربطها بالجنون في المجتمعات المتخلفة التي لا تميز ولا تقرأ فكم موهوب بارع وصم بالجنون او بالصرع او التلبس بالجن عندما اختلطت عليهم الافهام ولم يشخصوا وضعه وميوله وصفاته وبقبول شخصيته البعيدة عن بعض الممارسات الاجتماعية الرسمية المتوارثة التي ربما لا يتحمل الموهوب القيام بها فيعتقدها البعض عيبا في شخصيته ونقصا في عقليته ورجولته ..
فمن هنا ندعو الى تفهم طقوس الموهوب وطاقته التي ربما لا خيار له فيها بل ينبغي تشجيع المجتمع له والاستفادة مما يملك من مواهب وتجييرها للصالح العام بشكل إيجابي واستغلال الطاقة الهائلة التي تعتريه واستعداده النفسي لتحويل الخيال الى واقع وان خرج عن المألوف فهذه من الطبائع الملازمة للعمليات التي تختلج داخل النفس كمقدمة للإبداع والانتاجية المميزة بدلا من التندر والتهتك السلبي تجاهه.
ونذكر هنا ابرز صفات الموهوب وليس بالضرورة انطباق كل ما سيرد على جميع الموهوبين بل الحالة نسبية من شخصية لأخرى ونذكر منها :
-
- انطوائي ويفضل الوحدة على مشاركة الاخرين .
- لديه ضعف في العلاقات والتفاعل الاجتماعي .
- تبدو عليه ملامح فرط الحركة اللاإرادية خصوصا في الصغر وتخف مع الكبر .
- متقد بالأفكار الغير اعتيادية والغريبة .
- لا يهتم بالهندام والرسميات الكمالية .
- بسيط في حديثه ومرح .
- تبدو عليه البساطة وعدم التكلف في السلوكيات المصطنعة .
- متعدد المواهب ودائم البحث عن المزيد لإشباع فضوله وطاقته المتجددة .
- شمولي التفكير ومن خارج الصندوق دائما يفكر .
- متشتت التفكير والأفكار تهاجمه من كل الاتجاهات .
- غير منطقي ولا يعجب المنطقيين .
- متنقل في الإنجازات حتى وان لم يكملها .
- يمّل العمل المستمر في مسار واحد .
- يحب الاعمال الإبداعية المتجددة .
- شديد الملاحظة والتركيز والتحليل للأشياء.
- يحب الخوض في الأفكار والاعمال الغامضة الغير منطقية .
- له طقوسه الخاصة وعالمه الذي يحب ان يعيش فيه بعيدا عن ضوضاء الحياة الرتيبة .
- كثير الصمت والتفكر ومبتعدا عن النقاشات الغير علمية او الهامشية .
- يسعد بحرية التفكير والابداع وتحبطه الأنظمة المقيدة .
- ذو طبع هادئ واحيانا تكون له ردود أفعال غير متوقعة في بعض المواقف الضاغطة.
- يتحلى بالشجاعة والمغامرة معتمدا على حدسه لا على المنطق .
يقال في المثل الدارج (بين العبقرية والجنون شعرة) ربما لتشابه بعض الاعراض الظاهرية في السلوك بين المجنون والعبقري فيتم وصمه بمسميات مثل غريب الاطوار او المتخلف عقليا وهذا من الظلم وعدم التفريق بين الحالتين فنعتقد ان الحد الفاصل لمعرفة الحقيقة هو في جودة الإنتاجية بمختلف مساراتها فالمجنون حقا لن ينتج الا الجنون والسلوكيات الطائشة والغير مفيدة اما العبقري الحقيقي وان بدت عليه بعض الملامح الغير طبيعية إلا ان نتائج العبقرية لديه تكشف نضجه وتفكيره العالي فمثلا رغم النتائج الثورية التي خرجت من عقل نيوتن واحدثت طفرة نوعية في مسار التقدم البشري الفيزيائي فقد كان يوصف في عصره بغريب الاطوار لأنه كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة وكذلك العديد من العباقرة الذين ساهموا بقفزات نوعية في سلم التطور البشري هكذا كانت صفاتهم بفضل تركيبتهم العقلية الخاصة والغريبة بعض الشيء مقارنة بنمط الشخصيات المنطقية الاعتيادية إلا ان نتائج آثارهم مبهرة كأمثال : (أنظر الجدول)
أما على المستوى الديني فقد كان المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه انموذجا عمليا لمثل هذه الحالة التي لم يتم تشخيصها جيدا في بيئته فتم نعته بكلمات غير لائقة إما جهلا او خصومة وحسدا رغم آثار البراعة والابداع الذي خلفه فكره المتقد بالعطاء العلمي والاجتماعي والسياسي فقد أسدى للمدرسة الدينية قفزة للأمام فكان ما بعده ليس كما قبله في طرح المفاهيم والفلسفات والمؤلفات وهي خير شاهد على عبقريته في التفكير الشمولي ونظرته الثاقبة من خارج الصندوق لاستنباط الحقائق العملية والاحكام الكلامية المتقنة كما جسد ذلك في عدد من مؤلفاته الفذة ومنها (ما وراء الفقه، موسوعة الإمام المهدي، نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان، فقه الأخلاق، بحث حول الرجعة، شذرات من فلسفة الإمام الحسين، منّة المنان في الدفاع عن القرآن، بحث حول الشيطان، أصول علم الأصول، الكلمة التامة في الولاية العامة، بحوث في صلاة الجمعة، فلسفة الحج ومصالحه في الإسلام).
بقي ان نذكر ان هناك صنف من الموهبين سنطلق عليهم مصطلح (التوحد الإرادي) هم فئة اختاروا لأنفسهم ان يعيشوا بعيدا عن عنفوان المجتمعات الصاخبة التي لا تناسب ميولهم واسلوب حياتهم الهادئة وهذا لا يعني انهم متكبرون او خاملون بل هم فقط أرادوا ان يعملوا بحرية لوحدهم في بيئة داخلية تساعد على التفكير العميق وملازمة شغفهم المتجدد بالإبداع وفي النهاية سيسهم نتاجهم الفكري والعملي في صالح المجتمع البشري بشكل مباشر او غير مباشر .
(المتوحدون ليسوا مرضى بل أشخاص يسبقون زمانهم)