أصبح الكثير من الحداثيين لا يؤمن بوجود الشيطان وتأثيره الخفي بحجة عدم رؤيته فهم من اتباع الدليل الحسي التجريبي وما عداه فهو خرافه كتفكير الملحدين الناكرين لوجود الله الخالق العظيم .. فإن كان الشيطان خافيا عن الابصار فحتما ان تأثيره ليس خفيا على النفس فما يحركها للتجديف عكس تيار الخير الفطري فهو من وسوسته الباطنية فيها .
عموما للشيطان دور كبير في اللعب بذاكرة الانسان النفسية من ناحية التذكر او النسيان ونستدل بذلك من بعض الآيات الكريمة :
{ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا } (سورة الكهف 63)
{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } (سورة يوسف 42)
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ } (سورة المجادلة 19)
ان الشيطان لا يُذكّر الانسان إلا بالمعصية والغواية وتهييج غرائز النفس ان لم يستطع صاحبها ترويضها وتهذيبها وعلى النقيض سينسيه كل خير وهداية من خلال (قطع وتشويش جسر الاتصال النفسي بين العقل وذاكرة الاعمال الصالحة) فحسبنا مثلا عندما ينوي ابن آدم القيام بأداء الصلاة فسوف ينشّط ذاكرته الفاقدة لشيء ما ولو كان في طي النسيان منذ أعوام .. ليس حبا في عمل الخير لهذا الانسان او تقديم خدمة مجانية بتذكيره بما نسي او ما فقد منه سابقا فالشيطان لا يهرول عبثا ولكن في سبيل تشتيت تركيز المصلي وقطع صلته بربه لأن هذه الصلة هي ما تغضبه وتستنفر قواه التخريبية ونذكر هنا وصفا بليغا لأسلوب الشيطان قاله الامام علي بن ابي طالب (ع) : ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً، وَنَفَثَ فِي الاذَانِ نَجِيّاً، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى، وَوَعَدَ فَمَنَّى، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائمِ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ، وَاستَغْلَقَ رَهِينَتَهُ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ ) .