أطل علينا موسم عاشوراء هذا العام ونحن كما هو كل العالم ، نعيش في ظل الاحترازات الصحية الصارمة للوقاية من فيروس كورونا حيث إن الدين والعقل والقانون يلزم بذلك ، ولقد أقيمت شعائر الإمام الحسين عليه السلام ضمن برامج الحسينيات التي تضمنت أيام تذكر فيها معالم النهضة الحسينية ، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات ضد فيروس كورونا كالتباعد الجسدي وارتداء الكمامات وعدم اصطحاب الأطفال ، و الالتزام بالتوجيهات والإرشادات الطبية واتخاذ أقصى الاحتياطات والتدابير الدقيقة التي تحول دون تفشي الفيروس .
نهض الإمام الحسين ولم يكن معه إلا بضع عشرات من الأنصار والمؤيدين لفكرة النهضة الحسينية واستيعاب مبادئها ، لذلك أعلن نهضته والتي رسخت في النفوس والقلوب إلى اليوم ، فرسل أهل الكوفة وكتبهم ما هي إلا إفرازات لبيئة سوف تحتضن النهضة الحسينية ، وهم وإن لم يفوا بوعودهم ، لكن هذا لا ينفي عن هذه البيئة احتضانها إلى النهضة الحسينية ، فمنهم خرج المختار الثقفي وسليمان بن صرد وغيرهم ، ومن هنا يتبين سبب اختيار الإمام الحسين مدينة الكوفة عاصمة لنهضته المباركة اختيارا موفقا فهي أنسب بقاع الأرض للنهضة الحسينية وهي الحاضنة المثالية التي أبقت على دفء النهضة الحسينية وأوصلتها إلى يومنا هذا لهيبا مستعرا وجمرة لا تنطفئ في قلوب الأحرار .
ومن هنا نزل الإمام الحسين إلى ميدان الحق ليمارس دوره قائدا تاريخيا ولم يكن الحسين يطمع بالنصر وهو يقابل بهذه القلة القليلة تلك الجيوش الجرارة ،حيث إنه كان يتوق لينثر دمه على أرض كربلاء لتزهر أجيالا من الأحرار وكما يؤكد خطباء المنبر أن أصحاب الإمام الحسين تحلوا بالشهامة والسمو وقوة الإيمان والصدق والوفاء والإيثار والتواضع والزهد وقد قدّموا دروساً في الدفاع عن حرمة رسول الله في واقعة الطف بحيث تستفيد منها البشرية لاحقا.
نعم لقد نصر الإمام الحسين عليه السلام دين الله سبحانه كما نصر الله تعالى نهضة الإمام الحسين عليه السلام فقد انتصر دم الإمام الحسين عليه السلام على سيف الظالمين ، كما تحقّق هدفه في عزّة دين الإسلام ، فقد استمر هذا الدِّين الحنيف بفضل تلك الدماء الزاكيات فبعد أربعة عشر قرناً لا تزال نهضة عاشوراء حيّة ولا تزال قدوة لكلّ أهل العالم.
لقد كان يدرك أن التوازن العسكري مفقود وأن نصيبه وأهل بيته وأصحابه سيكون القتل والتمثيل ، إلا أنه أصر بكل عنفوان الإصرار على المنازلة ، لكنه بنزوله إلى هذا الخطر العظيم وتحمل نتائج هذا السلوك الرجولي المؤمن أبان معالم النهضة الحسينية .
لقد تميّزت النهضة الحسينية المباركة بقائدها الكبير وأهدافها ودوافعها الرسالية المتنوّعة ، فحملت بذلك كلِّ مقومات العظمة والكبرياء وكان لها تأثيرها البالغ في هداية المجتمع الإسلامي وإيصاله إلى أهدافه الحقيقية التي تنسجم مع الفطرة الإنسانية والعقل السليم.
أخيراً يمكن القول أن النهضة الحسينية كانت مدعاه لأن تكون ميدانا للتفاعل الإنساني ، فكلنا مع الحسين ونعشق الحسين والشعائر الحسينية والمآتم وأبناء تلك المجالس الحسينية ،ومن روادها من المؤمنين ، ومن هنا نجدد التأكيد على ضرورة الاستمرار بالاحترازات الصحية وهذا المقصد يأتي من ورائه حفظ النفس والتي لا تقل أهمية عن إقامة الشعائر الحسينية .