يظل اسم الحسين خالدًا في أعماق الكون ، تتشرّب به قلوب العالمين ، وتستضيء به عقول الأمم ، وتحيا به الطوائف والملل مهما اختلفت أعراقها وانتماءاتها.
"حسين مني وأنا من حسين" .. قالها حبيب القلوب النبي الأعظم وارتحل عن الدنيا ، وقول خاتم الأنبياء هو حجة نافذة ليست للمسلمين فقط بل يمتد صداها لكل نسمة على هذا الكوكب .
أن يكون الحسين من رسول الله علقة ومضغة وتكوينًا وخَلقًا وخُلُقاً ، يعني أنه إمام بمواصفات نبوية إلهية ، قدوة لا يفعل إلا ما يوافق رضا الله ورسوله ، وأن يكون الرسول من الحسين يعني أنه حاز الكرامة والمنزلة والمقام ، بتأييد خير الخلق وسيد الأولين والآخرين -وهذا بلا شك- يجسد الرفعة والمكانة التي يحتلها سيد الشهداء في قلوب عشاقه .
للحسين مقام عظيم لا يحدُّ بحد ، مقام يصعب علينا وصفه ، وماذا عسانا أن ندخل في شخصية سماوية الوجود ، جده محمد وأبوه علي وأمه فاطمة ، وأخوه الحسن !! وإذا أكملنا سلسلة هذا النسب العريق والأقمار الساطعة حوله ، نرى السيدة خديجة وفاطمة الأسدية وإخوته السيدة زينب والعباس ، إلى أن ينتهي النسب إلى أبنائه المعصومين عليه السلام وخاتمهم صاحب العصر والزمان ، وهو الطالب بثأر جده المظلوم ، نسب شريف وإخوة عظماء وأبناء معصومين .
الحسين إمام معصوم نشأ في بيت الطهارة والقداسة ، ونهل من جده الرسول ألوانًا من المعارف والعلوم النبوية ، وتربى في بيت علي وفاطمة ، على التقوى والإيمان والعبادة والزهد ، ولا عجب أن يكون نورًا من أنوار الله وطريقًا يدلنا لمعرفة الله ، وحبلًا نتمسك به لننجو من غمرات الدنيا وسكرات الذنوب والمعاصي ، فالإمام يرسم نهجًا للأحرار ، يبين لهم طريق الخير ويحذرهم من طريق الشر ، ويرتقي بهم إلى الكمالات التي يسعى إليها الأحرار السائرون على طريق الصلاح .
تتجلى في الحسين سمات الفضيلة والإباء ، لذا فقد ارتبط اسمه بالعدل في مقابل الظلم ، والحرية مقابل الاضطهاد ، والشجاعة مقابل الجُبن ، وتجسدت أروع هذه السمات في واقعة كربلاء ، حيث سطر بدمه الزكي دروسًا في العزة والكرامة ، وقدم قرابين الوفاء من أهله وأصحابه ، لرفعة الدين ، وإعلاء كلمة الحق واستمرار رسالة الأنبياء .
اسم الحسين يحيي فينا الرفعة والسمو ، فنحن نحيا ونرتفع بالحسين ، فمنذ أكثر من ألفٍ وأربعمائة عام ، واسمه يتردد في الأجيال المتعاقبة ، يهتز العالم وتتوالى عليه النكبات والانتكاسات وتتبدل الأحوال ، وتتغير الأحداث ، ولكن حبيبنا الحسين يبقى شامخًا خالدًا بخلود الأيام والسنين ، فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء ، العظماء وحدهم ، هم من يجعلون للأحداث قيمة وللأماكن هيبة ، والحسين أنار بهيبته الوجود ، وأشعل فينا جمرة العشق ، ولن تنطفئ ، لأنها ترتبط بإمام البطولة وسيد الإباء ، وستبقى خالدة ما خلد الدهر .
لا زلـتَ في كـل العـــصورِ نشـيـدا * يـستلهمُ الأجــيالُ منـكَ صمودا
تسمو على قِـمم الوجود وترتـقي * للمجد تحـتقــرُ الحيــاةَ صعــودا
ونسجتَ من تلك الجـــراحِ ملاحماً * فرسمت من دمك الزكي خلودا
نتوارث حب الحسين في النطف ، أبًا عن جد ، غير مجبرين ولا مضطرين ، لأن اسمه ولد معنا في المهد ، وارتشفنا حبه من صرخات أمهاتنا حين الولادة ، فالإيمان بأمير المؤمنين علي عليه السلام هو إيمان بذريته الطاهرة ، والحسين سفينة من سفن النجاة ، ركبناها أطفالًا وأبحرنا مع سيدنا وفي طريقه سرنا إلى أن نموت ، لأنه يقودنا لدرب الحق والهدى .
( الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ) أمرنا نبي الرحمة ، أن نتبع نور الحسين ونسير معه ، فسفينة الحسين عليه السلام تشق سبيل الحرية في بحار الظلام ، تخوض أمواج الفتن ؛ لتأخذ بأقدام ركابها إلى ساحل الفوز والنجاة والكرامة ، لأنه إمام الوضوح ، ونور الله في ظلمات الأرض ، الذي يقود السالكين إلى بر الأمان .
ركب في سفينة الحسين عليه السلام ، من يؤمن بعظمة وإمامة وخلود الحسين ، المُوالي الذي عرف الحسين بروحه وقلبه وفطرته من أهل بيته وشيعته ، والمولى الذي تحرر من عبوديته بين يدي الحسين ، كجَون مولى أبي ذر الغفاري ، وشوذب مولى عابس الشاكري وغيرهم ، والمسيحي الذي هام حبًا في إمام زمانه وتقطعت أوصاله بين يديه في كربلاء كـ ( وهب ) النصراني .
الحسين صرخة لها تنهمر الدموع ، وتهتز القلوب ، وما عَرف الحسين أحدٌ إلا وجنَّ في حبه ، فلا يلام عابس الشاكري الذي قال : يا أبا عبدالله أما واللهِ ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز إليَّ منك ، ولو قدرتُ على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز عليَّ من نفسي لفعلته (1) ، فقضى بين القوم يرشقونه بالحجارة بعد أن فتك بكثير منهم ، وأخذوا يتناقلون رأسه من يد إلى أخرى ، ولا عجب أن يقوم عابس بهذا العمل العظيم فهو المجنون في حب الحسين وصاحب المقولة المشهورة : "حب الحسين أجنني"!.
حسينٌ تضوّعَ في الخافقينْ * عبــــيرًا زكـيّاً بِـــلون الدمِ
ويـبـقى أبـيًّـا ، يخـطُّ الإباء * بنحــر الــكرامةِ ، كالبلسمِ
المصادر :
- (1) تاريخ الطبري
التعليقات 1
1 pings
سهام البوشاجع
2020-08-25 في 9:42 م[3] رابط التعليق
أحسنت .. بارك الله في قلمك الولائي