علاقات النفس وتفاعلاتها :
تبقى النفس السر الغامض الذي حير البشر رغم اقرارهم بوجودها ودورها ، وإن لم تتوفر مشاهدتها عيانا لكن عندما يقول الانسان (أنا) فهذا اقوى اعتراف واستشعار وادراك لحضورها وسريان وعيها اللحظي ،فهي القائد الذي يقود جيش كيان الانسان في الحاضر ويوجهه حيث رغب بإرادته { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (سورة الشمس 7 - 10)
تتفاعل خلجات النفس مع المحيط من حولها في ظل علاقات وروابط تفاعلية مؤثرة ومتأثرة ، فالنفس لها علاقات عجيبة نسبت عبثا لغيرها كالدماغ جهلا بحقيقتها ؛ لذلك نجد الله تعالى الخالق الحكيم ركز عليها كثيرا في كتبه وشرائع أنبيائه ورسله فقال { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (سورة الذاريات 21) لدورها المحوري الذي تلعبه في الحياة الدنيا وما بعدها ، فإنها الطريق الأفضل للوصول للحقيقة العظمى كما قال النبي محمد (ص) (اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه) وكذلك قال وصيه الامام علي بن ابي طالب (ع) (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وأيضا قال (من عجز عن معرفة نفسه فهو عن معرفة خالقه أعجز) فمن عرف قدرات نفسه وخصائصها المذهلة وارتباطها بعالم الملكوت الغير مرئي ؛ فسوف يعي ويفهم حقيقة خالقها وقدرته وكماله فبالتالي توحيده وعبادته وطاعته طوعا { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (سورة فاطر 28) سنستعرض هنا بعض العلاقات مع النفس ونرتب الاثر بحسب المفاهيم والمعطيات التي توصلنا اليها وأصلناها فيما سبق من البحث :
النفس والشيطان :
معروف ان ابليس كبير الشياطين خلق من مارج من نار { وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } (سورة الرحمن 15) وينتمي لفصيلة الجن وهو عكس الانس { فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ } (سورة الكهف 50) وردت قصة عصيانه وطرده وطول عمره للوقت المعلوم في القرآن كثيرا للتحذير من طرق مكره ووسوسته لبني آدم (ع) فهم العدو الأول المستهدف لديه لجرهم للمعصية والغواية { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (سورة الأَعراف 16 - 17) كلمة الجن في اللغة تعني المستتر الغير مرئي وللجن وجود حقيقي وهم مكلفون بالعبادة بجانب الانس { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (سورة الذاريات 56) ولإبليس وجماعة الشياطين قدرات فهي مخلوقات هوائية قادرة على التحليق في السماء { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ } (سورة الحجر 16 - 18) أيضا هي تستطيع ان ترى الانسان ولكن الانسان لا يستطيع ان يراها { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } (سورة الأَعراف 27) وما نريد ان نسلط الضوء عليه هو كيفية رؤية الشياطين للإنسان وترك تأثيره السلبي الغاوي عليه من دون رؤيته له ؟!
ذكرنا سابقا حول النفس البشرية على انها ذات طبيعة ذبذبية عالية ، لا يمكن رصدها فهي مخلوقة من عنصر النور وتردداته ، واما الشياطين فهي خلقت من عنصر النار ومشتقاته بتردد ذبذبي معين أيضا لا يمكن رصده ، ولديها القدرة ليس على رؤية جسم الانسان المادي وانما ترى النفس البشرية وتستطيع ان تحادثها وتدخل على سمعها وقلبها (عقلها) وتقترح عليه فعل الشر { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ } (سورة الأَعراف 20) وأيضا { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ } (سورة طه 120) لكن بأسلوب ذكي ظاهره الخير والنصح وباطنه الشر والمعصية { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } (سورة الأَعراف 21) وكذلك { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } (سورة طه 120) وفي المصادر الإسلامية انه لا يولد مولود من بني آدم (ع) الا ولد معه شيطان من ولد ابليس ليرافق ذلك المولود وهذا ما يعرف بالشيطان القرين { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } (سورة النساء 38) ولكن الله الخبير رؤوف بعباده وكل ملاك يرافق كل انسان أيضا يقترح عليه فعل الخير ويذكره بربه ؛ لهذا يعيش الانسان في صراع بين قوتين شيطانية تقترح عليه فعل الشر وأخرى ملائكية تقترح عليه فعل الخير ليبقى القرار النهائي موكول لعقل الانسان الموجود في نفسه ، ليرجح ويقدم على العمل بحسب الاعتقادات والقناعات التي بنى عليها ايمانه { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } (سورة البلد 10) النجدين بمعنى الخير والشر وهنا يكمن السر الذي اودعه الله في الانسان وهو قوة الاختيار واتخاذ القرار ليلقى الجزاء الاوفى يوم الحكم والحساب بحسب نوع اختياراته.
اذن الشيطان له القدرة على دخول تردد ارسال واستقبال الانسان الباطني في النفس ، والاتصال به فيخاطبه ويوسوس له { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } (سورة الناس 4 - 5) وللشيطان طرق وحيل تنطلي على من ضعف ايمانه او كان في غفلة ، مبتعدا عن ذكر الله وقوانينه فيصبح درع التقوى والحماية لديه في حالة ضعف وتصدع ليجد الشيطان فيه ثغرة ينفث منها فيهمس في سمعه وقلبه وخياله بالهمز واللمز والرجز والنزغ ليفتن الانسان ويمنيه ويزين له ويعده بالفقر عند الانفاق على الخير فيستحوذ على تفكيره فيوحي اليه بالشرور والجرائم فيكون له وليا من دون الله ومطيعا له .ونذكر هنا بعض الآيات الكريمة الدالة على ذلك :
{ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } (سورة المؤمنون 97)
{ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } (سورة يوسف 100)
{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } (سورة البقرة 275)
{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (سورة البقرة 268)
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } (سورة الإسراء 53)
{ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } (سورة الأَعراف 30)
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } (سورة الأَعراف 200 - 201)
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } (سورة الأَنْفال 11)
{ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } (سورة المائدة 91)
{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } (سورة الإسراء 64)
الجدير بالذكر حسب الآية الأخيرة ان للشيطان خيل وجنود تابعين له حتى من الانس ممن ضمهم اليه بعد ان استطاع تلقينهم وساوسه ونفذوها بقصد او من دون قصد هذا لو اخذنا بالمعنى الظاهري للآية وهذا فهم صحيح لا غبار عليه فالكثير من الآيات التي تصف الانسان السيئ بالشيطان وبالقرين فلا فرق بين قرناء (اصدقاء) السوء الموسوسون من الجن او الانس - فلننتبه لمن نصادق ونقترن به ، فالطيور على اشكالها تقع - فالنتيجة واحدة وهي النهاية السيئة كما في الآيات التالية لنعي من المقصود بالقرين والشيطان :
{ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } (سورة ق 27 - 28)
{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } (سورة الزخرف 36 - 39)
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ } (سورة الصافات 51 - 55)
{ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } (سورة النساء 38)
ومعروف ان القرآن له أوجه واحتمالات وهذا سر قوة القرآن واعجازيته السرمدية ، فلو اخذنا بالمعنى الباطني لآية الخيل فإنها تعني وسوسة الشيطان وهمسه عندما يختلط بتفكير الانسان وخيالاته فيلتبس عليه الامر حول ما يفكر فيه، عندها يتدخل ملاك الخير ليصحح الفكرة للمسار السليم ليبقى القرار النهائي للعقل فإما يستنتج فكرة إبداعية إيجابية رحمانية تكون عونا للبشرية وتقدمها ، او تكون المحصلة فكرة إبداعية سلبية شيطانية تأكل الأخضر واليابس على الأرض وتدمرها .
نذكر هنا ان مكر الشيطان على الانسان ضعيفا وليس لديه سلطة مفروضة بالقوة ومن دون أي جبر كما قال تعالى { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } (سورة النساء 76) وايضا { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } (سورة الحجر 39 - 43) فالشيطان يعترف بنفسه انه ليس لديه أي سلطة جبرية على الانسان لفعل الذنوب والشرور فالذنب ذنب من دعوتهم بالوسوسة وهمست في عقولهم فاستجابوا لي فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم لأنكم صدقتم وعودي الكاذبة واشركتموني في أفكاركم وافعالكم { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة إِبراهيم 22) بل ان الشيطان في النهاية يتبرأ من غوايته للإنسان { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } (سورة الحشر 16) وانه للإنسان خذولا { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } (سورة الفرقان 29) فينبغي الحذر من خطوات الشيطان وعداوته للبشر { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة النور 21) وقال النبي محمد ص (ان للشيطان لمة بابن ادم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق واما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد من ذلك شيئا فليعلم انه من الله ومن وجد من الأخرى فليتعوذ من الشيطان) فبهذه الطريقة نعلم التمييز بين انواع الالقاء والحديث النفسي ومصدره ان كان ملائكيا ام شيطانيا.
إلا ان هناك فئة من البشر الاشقياء دأبوا وتعودوا على تنفيذ مآرب الشيطان ، عبر وحيه الغير مباشر اليهم ومن دون ان يروه او يلتقوا به كما يتصوره البعض او يشاهدوا ذلك في الأفلام السينمائية،او في الكتابات الإعلامية من عقد ورش وملتقيات مع الشياطين في نوادي خاصة ،فالأمر ليس بهذه السهولة ولكن اذا ما اردنا ان نعرف بالتحديد من يوحي اليهم الشيطان بفعل الشر فقد نعرفهم من نفوسهم الدنيئة وسماتهم سواء افرادا او جماعات او دولا ، فالأفعال تفضح النوايا السيئة لنفتش في المجتمعات والعالم عن مثيري الفتن والحروب وقتل الأبرياء والمستضعفين في سبيل تحقيق مصالحهم النرجسية على حساب بقية البشر لنفتش عمن لا يزال يبتكر ويبدع في زيادة معدل معاناة البشر من الفقر والجوع والامراض والآلام في سبيل رفع معدلات ثرواتهم لنرى من لا ينامون الليل والنهار من اجل ابتكار أسلحة فتاكة تهلك الحرث والنسل على الأرض وبعد ذلك يريدون الهروب للعيش على كواكب أخرى ، نعم هؤلاء هم عبدة الشيطان الحقيقين واولياؤه ومنفذو اطروحاته عبر الدهور فقد وصفهم الله في كتابه فقال :
{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } (سورة الأَنعام 121)
{ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة الأَنعام 43)
{ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } (سورة النساء 119)
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (سورة المجادلة 19)
{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } (سورة الحج 53)
{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } (سورة الشعراء 221 - 223)
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } (سورة الأَنعام 112)
في الآية الأخيرة نجد كيف ان الله يطلق اسم الشيطان على من يقف بوجه الحق والانبياء من الانس او الجن على حد سواء ،فتبادل الأفكار السيئة عبارة عن نوع من أنواع الوحي الخفي والتخاطر بين شياطين الانس والجن ،الغير مسموع للبشر الاخرين من دون ان يكون بينهم أي اتصال مباشر او اجتماعات ملموسة او مصورة.
نكتفي هنا بهذا القدر حول النفس والشيطان والخلاصة هي : ان لإبليس واعوانه الشياطين القدرة على رؤية ذبذبات النفس البشرية ومخاطبتها عبر اتصال غير مرئي مشفّر يشعر به كل انسان في ذات نفسه عبر خواطر القلب (العقل) واهتزازاته السلبية فينبغي الفهم الحذر والاستعاذة بالله منه وعدم الوقوع في شركه { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } (سورة النحل 99 - 100).