لم أتوقع أن يأتي اليوم الذي يرضى فيه الفرد على نفسه ان يتحول الى : قرد، حمار، كلب، خنزير، امرأة، رجل، مسخ... (اكرمكم الله) بإرادته الحرة ومن دون اجبار او قوة ترغمه لفعل ذلك، في الزمن الماضي عندما يقوم شخص (عفلنقي) بجمع صورة شخص ما ، ودمجها بصورة حيوان كانت تقوم القيامة والخصومة وربما الضرب والشكاية ، اما اليوم فقد بات هذا التحول الجريء بضغطة زر فلتر عبر تطبيق في الجوال، فهل اصبح هذا العمل مقبولا اجتماعيا ودينيا والله يقول { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } (سورة الإسراء 70) .
لعل هذا التحول المهيب في الحياة الحديثة ذكرني بقصة بني إسرائيل الذين مسخم الله الى قردة في قضية يوم السبت المذكورة في القرآن الكريم { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } (سورة البقرة 65) وأيضا توجد عشرات الاحاديث المروية عن النبي محمد (ص) تخبر ان من امته في آخر الزمان سيمسخون كما في الحديث التالي ( يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث ) وقد احتمل المفسرون كون المسخ صوريا جسمانيا ، او كونه معنويا أخلاقيا ففي كلا الاحتمالين هو تحذير وذم بسبب التحول عن القيم الإسلامية الاصيلة ، وربما فسر لنا النبي محمد (ص) قصده في حديث آخر عندما قال ( يكون في هذه الأمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة ) أي اتباع سلوك وتصرفات اهل الباطل فيما يبتدعون لنا من تطبيقات وبرامج نتبعها بدون وعي او فائدة وبتنا نستقبل منهم كل ما يصدّر الينا في عقر بيوتنا من دون ادراك وترشيد .
لعل نظرة خاطفة على شباب اليوم ، حيث نجدهم يعيشون في سباق مع تطبيقات التواصل الاجتماعي ، والتعاطي معها بشراهة ونهم ليل نهار ، بشكلها السلبي وليس الإيجابي منها ، فعندما نرى ذاك الشاب ليس له هم إلا اخذ صور -السيلفي- لوجهه المرمم او تضاريس جسده من كل الزوايا ، وتزويقها بالفلاتر والمؤثرات ثم نشرها خلال ثانية من الزمن لكل سكان للعالم لكي يحظى بعدد كبير من الإعجابات وردود (منوّر) هذا يعني اننا وصلنا مرحلة الخطر والهوس النفسي ، فقد اكد علماء النفس فضلا عن كون كثرة السيلفي مرضا نفسيا وادمانا وهوسا مبتذلا ، فهو أيضا يكرس حب الذات والانانية ، ويوجه صاحبه الى الغرور والاعتداد بشكله واهمال اخلاقه وتصرفاته ، وتجعله يعتقد في قرارة نفسه انه انسان مهم ومتابع – عند السفهاء - بسبب شكله الوسيم ومظهره المتشبه بالنساء.
في الحقيقة لا نستطيع ان نمنع أصحاب الوعي الضعيف من متابعة هؤلاء الثلة من الناس وعدم تشجيعهم وإيقاف المتابعة والمجاملة المفرطة ، فلهذه الظاهرة المستوردة المتنامية مخاطر سلبية ، فكم شاب وسيم راح ضحية خطف او اغتصاب او قتل نتيجة نشره لمفاتنه بصورة مبتذلة ، اغرى بها عبدة الشيطان والشهوة ، فمن المسؤول عن مثل هذه الحالة ؟ هل الاهل ام المجتمع ام برامج التواصل ام الاعلام ام الأصدقاء ام هو نفسه وسلوكه الطائش ؟
مشكلة اليوم هو ان الأبناء يكبرون ويتعلمون من بيئتهم المحيطة ان رأس مالك في الحياة هو مظهرك الخارجي ووسامة وجهك ؛ لكي تُحب وتقدر وتحظى بالمتابعة والاعجاب من الاخرين ، وهذا فهم خاطئ ينبغي إفهام الأبناء عدم صوابية هذا الفعل وما له من آثار سلبية عليهم وعلى اسرهم ومجتمعهم ومستقبلهم ، ينبغي إقناعهم بأن المركزية الحقيقية والجاذبية تكمن في السلوك الصالح وحسن المعاملة والتمسك بالأخلاق الإسلامية وطاعة الله ، وليس بمتابعة تطبيقات الوهم والمظاهر الزائلة فالإنسان الناجح هو من يقدم الإنجازات والابداعات لنفسه ولمجتمعه ؛ ليحصل على التقدير والثناء المحمود ، وليس بتقديم المفاتن والعيون والشعور والاظافر ، فلسنا في مسابقات للجمال والمظاهر ، وانما المجتمع يحتاج للعقول الراقية والمفكرة والعاملة ، وليس للمظاهر الفارغة ، فإن الجمال هبة من الله ليس لأحد مجهود في صنعه ، فهو امر وراثي ويمكن لصاحبه تحويله الى امر إيجابي او سلبي حسب ادراكه ووعيه وكفى قول النبي محمد (ص) : ( ان الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
النقطة الأخرى التي احب تسليط الضوء عليها هي مسألة نوعية الألعاب التي يتابعها الشباب ويمضون جل اوقاتهم بلعبها فلم تعد العاب اليوم كتلك التي بالأمس فيها من البراءة والتسلية بل أصبحت مليئة بمهمات القتل بأبشع أنواعه ومهمات قيادة الجيوش وشن الحروب بالأسلحة المختلفة وعمليات السجن والهروب والغدر والاجرام والتمرد على القانون والعنف الدموي ... مما يجعل من لاعبيها تلاميذ صغار لمبرمجي هذا الألعاب العدوانية وعبيدا كما رأينا في بعض الألعاب التي تأمر المستخدم بالسجود لأصنام او تقديم قرابين شيطانية او وسمهم بعلامات ماسونية ربما بعض الأبناء لا يعلمون عنها شيئا لصغر أعمارهم وقلة خبرتهم وثقافتهم المحدودة .
ان هذه الألعاب مع الوقت تندمج سماتها وخصائصها مع صفات الفرد البريئة لا شعوريا شيئا فشيئا وتتشرب داخل النفس الطيّعة بسبب الكثافة الحسية الناتجة من الاستغراق في اللعب لساعات طوال في اليوم فما بالك من يدمن عليها بالشهور او السنوات ، نعم ان عنوانها مجرد لعبة ولكن عندما يقوم اللاعب بعمليات قتل لمئة مرة في الساعة الواحدة هذا يعني تهوين وتسطيح لمفهوم القتل المحرم في النفس ويصبح كانه امر عادي ويمكن تطبيقه في ارض الواقع من دون حرج .
قبل مدة رأينا لعبة تأمر لاعبيها بالقيام بأعمال تخريبية واجرامية بشكل متدرج كلما تقدمت مراحل اللعب ولا يمكن المواصلة إلا بتنفيذ الأوامر واثبات ذلك والمشكلة ان هذه الأوامر المطلوبة ليست ضمن حيز اللعبة الافتراضي وانما تأمر بالقيام بأعمال حقيقية واقعية داخل غرفة اللاعب او في المنزل او في الشارع او بيت الجيران وقد وصلت حد القتل !! فهل هذا يعقل ؟
نعم ان اندماج اللاعب في اللعبة وتفاعله مع الوقت يشعره وكأنه يعيش فيها واقعيا فتختلط عليه الاحداث بين ما هو افتراضي وما هو واقعي وخصوصا مع المراهق المتحمس لبلوغ الهدف واثبات قدرته عندما يتم إيهامه بالفوز بالبطولة والقيادة والحصول على جوائز اللعبة واموالها الوهمية.
التوصية: صحيح اننا لا نستطيع اليوم منع الأبناء من استخدام الأجهزة الحديثة فقد باتت جزءً لا يتجزأ من الروتين اليومي للكل صغارا وكبارا وهذا امر طبيعي بحكم التقدم التكنلوجي الواقع في العالم اجمع ، ولكن يمكننا الترشيد والتقنين في الاستخدام كماً والاختيار نوعاً ، فيمكن تقليل وقت اللعب واختيار العاب تكون هادئة واقل عنفا من خلال مراقبة الأجهزة والتطبيقات المثبتة عليها والتحكم في أوقات فتحها وغلقها.
وكذلك مبادرة الآباء بتثبيت التطبيقات التعليمية المفيدة التي تنمي الفكر والذكاء وارشاد الأبناء اليها وإزالة التطبيقات والألعاب السيئة فيمكن ذلك من خلال التحكم في اعدادات الجهاز ومنصات تنزيل التطبيقات وتفعيل مراقبة الوالدين حسب الاعمار وكما انصح بتنزيل بتطبيق (Google Family Link ) المجاني لقوته في التحكم بأجهزة الأطفال والمراهقين ، ومراقبتها ومصادقة تثبيت التطبيقات وتشغيلها وتحديد أوقات عملها فتعطي نوعا من الاطمئنان النسبي .
شغل أوقات الأبناء بالمفيد وتطوير مواهبهم بدلا من تركهم لساعات يسرحون بين الأجهزة والنوم والاكل يمضون اوقاتهم من دون أي إنتاجية او فائدة تعود عليهم ، فينبغي توفير الأدوات التعليمية او أدوات الرسم والكتيبات او مستلزمات الألعاب الحركية لتحريك أجسامهم المتبلدة جراء كثرة الجلوس في البيت ، وقلة الحركة فالأبناء ان لم تشغلهم بالإيجاب شغلوك بالسلب .
التعليقات 2
2 pings
بدر عبدالله السالم
2020-07-22 في 3:42 م[3] رابط التعليق
موضوع في غاية الأهمية ، وهو نتاج التقليد الأعمى الذي توارثته الأجيال
وكما يقال : كل ممنوع مرغوب ..
شبابنا يحب أن يجرب كل جديد ومع الوقت يرى الجميع يقوم بما يقوم به ، فيستهوي العمل ويستحسنه حتى لو كان مخالفاً
ودو الأسرة ( الأب والأم ) محوري وهام وعليهما المسؤولية الكبرى في المتابعة والتوجيه بالأسلوب المناسب لعقلية أبنائهم .
حمى الله أبناءنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
__________________
طرح مميز أبا مهدي
لك التحايا
عبدالله حسين البراهيم
2020-07-25 في 6:45 م[3] رابط التعليق
نعم وشكرا لك ..
مع الاخذ في الاعتبار العقل المدبر الذي يسوق العقل الجمعي للبشر عبر ادواته المسيطرة .