تمر في حياة الإنسان قصيرة كانت أم طويلة الكثير من الأحداث والمواقف الجميلة والقبيحة منذ نعومة أظفاره وحتى قبيل وفاته، إلا أنها حين تمر وهو في عمر الطفولة تصنف ضمن مواقف التسلية والترفيه التي يفرح بها الوالدين والأهل وتسجل في ذاكرة كاميراتهم وألبوم صورهم على مدى الأيام لتصفحها والضحك عليها، فبين فترة وأخرى حين تستعاد صور تلك المواقف مع صاحبها الذي لم يعر لها أي اهتمام آنذاك لصغر سنه أكانت محرجة أم مضحكة يردد الجميع مقولة "ليتني طفل أكبر همي شراء لعبة"
الخطر الأكبر الذي يدق ناقوس الصحة النفسية والجسدية هو التعرض للمواقف بعد النضج والرشد إذ تعكر تلك المواقف هدوء القلب واطمئنان النفس وتضفي هالة من الذكريات التي تارة تكون على شكل وجع أوغضب أو ندم، وكلها هالات مؤرقة تؤرق منام الإنسان وتجره إلى أمراض مزعجة تؤثر على نشاطه خلال النهار، وليس نشاطه فحسب بل تقود إلى فيسيولوجيا الجسد فتصيب القلب بقصور وبحرقة للفؤاد وتململ في الساقين وفرط للغدة الدرقية وغيرها....
إن ما تخلفه المواقف المحزنة والمؤلمة بالذات من آثار أشد فتكا من بكتيريا أو فيروس يدخل إلى الجسد ويتم التشافي منه ثم يذهب في أمان الله لبقاء آثار تلك المواقف عالقة بين الذاكرة والعقل الباطني في كثير من الأحيان، وحين يبلور الألمان الجسدي والنفسي معا تكون التبعات قوية جدا.
تقول أمهاتنا وجداتنا من ضمن قواميس أمثالهم الشعبية "ليت لي قلب سمكة" لماذا السمكة بالذات؟ لربما لأن قلبها يدور فيه الدم في اتجاه واحد فقط بين بطين وأذين فقط قياسا على ما يتحمله قلب الإنسان من دم يدور في شرايين وأوردة جسمه مرتين بين بطينين وأذينين.، وربما هي فلسفة قياسية لا أكثر.
الأطباء والكتب والفلاسفة وحتى الكتاب طرقوا كثيرا باب الاستقرار الروحي إذ يشكل هذا الاستقرار تكامل دوائر الإنجاز والعطاء وتنامي الذات وتكامل الروح ومزيد من الإبداع، الأمر الذي يفقده صاحب الأرق لتنحدر حياته أمام عينه يوما بعد يوم حتى تفرغ نفسه من كل إنجاز يذكر لأنه ببساطة لم ينقذها من هذا الهم وعاش تحت وطئه مستسلم له.
أعلم أن أسباب الأرق بالإضافة إلى مواقف الألم النفسية. قد تكون إكلينيكية بحته إلا أن النفس تملك من قوة السيطرة على المواقف "النفسية" أكثر لما وهبه الله تعالى للإنسان من نضح ورشد يكفله الخروج من دائرة الأزمات والمواقف الصعبة، والتي قد تضرب حتى أدق مسببات الراحة في الجسم إلا أن نعمة التناسي أو النسيان كفيلة بها.
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
عبدالعزيز هاني الاحمد
2020-07-09 في 1:15 ص[3] رابط التعليق
السلام عليكم
اتفق معكم أ. سهام في توضيح حالات الارق والموضوع يزداد بريقاً ولمعاناً بإسلوبكم الراقي بالكتابة عما يعاني منه الكثيريين .
رجائي ان يكون هذا الموضوع ضمن سلسلة للدخول في عمق الارق واسبابه المنطقية فعلياً وليس اكاديمياً .
وفقكم الله وسدد خطاكم
سهام البوشاجع
2020-07-09 في 8:06 ص[3] رابط التعليق
أشكر تواجدك أخي عبد العزيز بين أسطر مقالتي وأثمن رجائك، لندع الأيام ترمي ما في جعبتها للأيام.
بدر عبدالله السالم
2020-07-09 في 12:45 م[3] رابط التعليق
تحياتي للأستاذة الفاضلة : سهام
مقال مميز وجدير بالمتابعة والقراءة ..
حالة الأرق تتولد عند الأطفال في حالة عيشهم في حياة غير مستقرة ، مليئة بالنزاعات والفوضى والانقسامات والخلافات
إذ يؤثر هذا المشهد على شخصية الطفل من جميع جوانبها النفسية والجسدية والعقلية ..
بعكس الأطفال الذين يعيشون وسط بيئة مثالية آمنة بنسبة كبيرة ، يتخطون هذه العقبة ، إذ يجدون الأمان الأسري والنفسي من أسرتهم وينعكس ذلك على سلوكهم مما يقويهم في مجابهة الحياة ، فنراهم أقوياء أكثر عند الصدمات مستقبلاً .
الأرق حالة ربما تكون مرضية نفسية تصيب المراهقين بنسبة أكبر ، نظرًا لتغيرات مرحلتهم المتسارعة ، وقد تكون وطأتها خفيفة إذا عاش المراهق مرحلة طفولته بأمان كما ذكرنا ..
السلام والأمان الداخلي داخل الأسرة كفيلان بالقضاء على هذه الحالة بنسبة كبيرة إذا لم تكن مصحوبة بحالة مرضية لدى الفرد .
لك التحايا
سهام البوشاجع
2020-07-09 في 3:16 م[3] رابط التعليق
وتحياتي لك أستاذ بدر… وأرقها تعبيرا صادق للمداخلة اللطيفة التي تفضلت بكتابتها تعقيبا لمقالي المتواضع، نعم أسباب الأرق كما قلنا كثيرة ومراحل الإصابة به متفاوتة وتبعاته أكثر، تفاوتات يتحكم بها ربما مفتاح الاستقرار النفسي والاهتمام والحب المحيط بالشخص ودائما ما نقول متى ما كانت البيئة التي يعيش فيها الواحد منا تسودها المحبة والاطمئنان والصراحة والثقة والايمان متى ما كانت أكثر البيئات خصبة لتوارث الهدوء والبعد عن الأزمات النفسية ومواقفها.