تشير الروايات الشريفة إلى حالة من الخصوصية لكل إمام عن غيره من الأئمة الطاهرين ، ومنها العلاقة بالإمام علي الرضا عليه السلام المعتمدة في المقام الأول على العلاقة الروحية خاصة إذا هامت وتعلقت الروح به، والاشتياق لزيارته، وهذا ما نلحظه من خصوصية زيارته، وألقاب أختص بها كلقب أنيس النفوس والرؤوف والرضا.
فلو سألت آلاف الزائرين الذين تشرفوا بزيارته لاستشعرت من تعبيراتهم وانطباعاتهم مستوى الارتياح الروحي، وتفريج الهموم والغموم، وقضاء الحوائج الذي اختزله لقب الإمام الرؤوف وأنيس النفوس بحيث أن الزائر ينسى كل همومه، وينشرح صدره لمجرد أن يكون مجاوراً لقبره الشريف.
ينقل لي أحد المؤمنين الثقات الذين يهيمون بالإمام الرضا عليه السلام بحيث لايذكر اسمه أمامه إلا ويخفق قلبه حباً فيه وشوقاً لزيارته، يقول: في إحدى السنوات كنت مهموماً لدرجة كبيرة بسبب مشكلة أواجهها، فلم أجد نفسي إلا مقرراً زيارة الإمام الرضا عليه السلام خاصة أنه سمع من بعض العلماء أن من ينوي زيارته نيابة عن أبيه الكاظم عليه السلام ، ويتوجه من وصوله لزيارته مباشرة تقضى حاجته بإذن الله.
يقول: ركبت الطائرة، وتوجهت لمشهد المقدسة، وما إن وصلت الفندق طلبت من موظف الاستقبال وضع حقائبي في الغرفة الخاصة بي، ثم توجهت بثياب السفر بدون أي غسل أو تهيئة إلى الحرم الطاهر ثم جددت وضوئي، ودخلت الرواق الملاصق للضريح المقدس .
حينها وقفت على باب الضريح المقدس كوني مقرراً أن لا أدخل له إلا بقضاء حاجتي، وأنا أخاطبه بلهجة قد يراها البعض سوء أدب وتجرأ ، وأصرخ بأعلى صوتي ، بحيث أن البكاء القوي الذي اعتراني بلا أراده جعل من معظم الزائرين يلتفتون إليّ ، وأنا أنادي: ياعلي بن موسى في حالة لا يعلمها إلا الله!! .
يقول: فسمعت خادم الضريح المقدس يخاطب الزائرين باللغة الفارسية، وكأنه يقول : أتركوه، أنه مهموم، وجاء متوسلاً بالإمام الرضا عليه السلام، بقيت على تلك الحالة لمدة من الزمن، حينما رق قلب الخادم لحالتي، وأقترب مني ، وطبطب على كتفي بيده ، وطلب مني الدخول للإمام عليه السلام ، لكني رفضت ذلك !!.
حينها رجعت للفندق، ونمت تلك الليلة، وجلست طول النهار في الفندق، بعدها اتصلت بأحد الأصدقاء، وأخبرته أني متواجد في زيارة الإمام الرضا عليه السلام، فقال: ألتقيت هذه الليلة في الحرم الطاهر.
وحين مغيب الشمس وصادفت ليلة الجمعة، جلست في رواق الحجرة المقابلة للضريح الطاهر ، وما إن أديت صلاة العشاءين إلا وجلس بجانبي أحد الزائرين ، ودار بيني وبينه حديث، لكن العجيب في حديثه أن تحدث بلا مقدمات عن مشكلة تشابه مشكلتي بحيثياتها وتفاصليها لكنها أفظع بكثير منها، فقلت : لماذا هذا الزائر تحدث عن مشكلته التي تشابه مشكلتي، هل هي محظ صدفة أم ماذا؟ !! .
وما إن انتهيت من حديثي معه، وقفت على باب الحجرة للضريح المقدس، وسلمت على الإمام وخرجت من حيني، فإذا بصديقي الذي واعدته يتصل بي، وبالفعل ألتقيت في الحرم، وسلمت عليه، وبدون مقدمات فتح معي حديثاً آخر، وتحدث عن مشكلة تواجهه تشابه مشكلتي بحيثياتها وتفاصليها أيضاً لكنها أفظع من مشكلتي ، فهل هذه محظ صدفة أخرى !!.
حينها أخذت أتأمل، وأنظر لقبة الطاهرة للإمام الرضا عليه السلام ، وقلت في نفسي: لا يمكن أن يكون حديث الزائر وحديث الصديق عن مشكلتهما في نفس الوقت محظ صدفة أبداً، أيعقل أن حديثهما رسالة من علي الرضا عليه السلام إليّ فحواها أن علاج مشكلتك كذا وكذا؟ حينها أخذت أبكي بلا أرادة ، وأقول: بأي لهجة وسوء أدب تحدث بها مع أمامي الرضا عليه السلام، فقال لي صديقي: ما بك، فأخبرته بالتفاصيل، فقال لي: أنها والله رسالة من إمامك إليك في حل مشكلتك.
حينها ذهبت لضريح الإمام علي الرضا عليه السلام وأنا في حالة من الخجل، وأقول: ياعلي بن موسى الرضا أصفح عني أني تحدثت معك باللهجة والطريقة البشعة بحيث رفضت الدخول إليك، فأنت بحق الإمام الرؤوف الذي نلتجأ إليه في همومنا ومشاكلنا، فسلام الله وملائكته وأوليائه على أنيس النفوس المدفون بأرض طوس مابقي ليل ونهار ورحمة الله وبركاته رزقنا الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.