نص محاضرة الاستاذة الفاضلة أم منتظر الاحمد بمناسبة وفاة الامام الصادق عليه السلام والتي تم تقديمها عبر العديد من قروبات وسائل التواصل تحت عنوان ( وراثة الأئمة عليهم السلام للكتاب )
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، سيدنا وحبيبنا وطبيبنا ابي القاسم محمد وآله الطاهرين
قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ..﴾ .
إمامة أئمة أهل البيت (ع) ليست بالوراثة وإنما هي بالاصطفاء من الله جلَّ وعلا، وما ورثوه هو الكتاب لأنهم حملته والاعلم به من غيرهم، فهم الراسخون في العلم، ولذلك الامامة ليست ثابتة لكل من انتسب للرسول الكريم (ص) فالكثير ممن ينتسب إلى الرسول (ص) وينحدر من سلالة علي (ع) وفاطمة (ع) لم يكونوا من الأئمة (ع). وإن كانوا ممن ورثوا الكتاب.
وأما لماذا وقع اختياره تعالى على خصوص أهل بيت النبي (ص) دون غيرهم من المسلمين فذلك أمره جلَّ وعلا والذي لا رادَّ له فهو ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾(2) فهو قد اختار محمداً (ص) نبياً واصطفاه بالرسالة دون سائر خلقه ومن قبله اختار أنبياءَ ومرسلين واختار لهم أوصياء.
فكذلك إمامة اهل البيت عليهم السلام
لنقف الآن على مفهوم الارث
ما هو المقصود من الارث؟
المقصود من الارث هنا هو احد انحاء ثلاثة :
النوع الاول : وراثة مقام الامامة الالهية الذي جعله الله تعالى لنبيه ابراهيم ، وهذه الوارثة كانت للامام. الحسن والحسين ع بواسطة جدهما النبي(ص) ثم انتقلت الى ذرية الحسين ومنهم الامام الصادق ع
فقد اورثه الله تعالى دين ابراهيم وامامة ابراهيم كما اورثها لابيه واجداده الكرام .
النوع الثاني : وراثة كتب الانبياء التي انتهت الى النبي(ص) عن طريق عمه ابي طالب ثم انتقلت منه(ص) الى علي ثم الحسن ثم الحسين(ع) ثم صارت ميراثا للائمة من ولد الحسين(ع) .
النحو الثالث : وراثة بعض الخصوصيات التكوينية الرسالية التي ميز الله بها بعض انبيائه واصفيائه فجمعها ايضا للائمة الطاهرين عليهم السلام لكن كل امام يبرز في عصره حاملا صفة من الصفات فالامام الحسن ع برزت فيه صفة الكرم والامام الصادق الصدق والامام الجواد الجود وهكذا.
هل هناك ثوابت قرآنية لمفهوم الوراثة؟
نعم
يجيبنا الامام الصادق ع بقوله:
" إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ وإِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ سُلَيْمَانَ، وإِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً وإِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ والزَّبُورِ وتِبْيَانَ مَا فِي الأَلْوَاحِ"
يعني عندنا ألواحُ موسى والتي هي التوراة، وعندنا تبيانها من عند الله عزوجل وبيانها.
وروى الكليني بسندٍ معتبر عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: " ألواح موسى (عليه السلام) عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين"(5)
والوراثة هنا ليست بالوصية كما في حالة وراثة مقام الامامة الالهية ووراثة الكتب السماوية
بل هي وراثة اصطفائية.
بعد بيان هذه النقطة نسأل
كيف يكونوا مصطفون وفيهم ظالم لنفسه؟
تعددت اقوال العلماء والمحققين في ذلك وابرزها للعلامة الطوسي يقول : بأن التقسيم في الآية الشريفة للفظة العباد وليس للمصطفين الذين اورثهم الله الكتاب.
الامام الباقر ع عن سالم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(فاطر:32). قال (ع): (السابق بالخيرات: الإمام والمقتصد: العارف للإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام). الكافي ج1 ص24
وبعد ان انتهينا من بيان مصداق الفئات الثلاث نأتي لبيان صفات الوارث في القرآن ، أعلم أن الوارث هو الحجة بعد الحجة، وهو الإمام، لقول الإمام الرضا (ع): (إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (ص) ومقام أمير المؤمنين (ع) وميراث الحسن والحسين (ع)...).
فالوارث للأنبياء (ع) له صفات خصّهُ الله بها، لا توجد في غيره، لأنه واحد دهرَه كما وصفه الإمام الرضا (ع): (.... الإمام واحد دهرَه لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير...) الكافي ج1 ص225.
وابرز صفات الوارث كالتالي :
- الوارث مصطفى من الله تعالى:
بما أن ورثة الأنبياء هم الحجج على الخلق بعدهم، فلا بد أن يكون اختيارهم وتعيينهم عن طريق الله تعالى وعن الباقر والصادق (ع) في قولهما:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} قال: (هي لنا خاصة، إيّانا عنى). الوسائل ج18 ص147.
- الوارث معصـوم:
وعن علي بن الحسين (ع) قال: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً فقيل له: يا إبن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }( الإسراء:9)). معاني الأخبار ص132.
وكذلك نجد هذا المعنى واضحاً جلياً في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة : 124).
فهم الذين قال عنهم الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب:33). قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}(الأنبياء:72). {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَاقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(الأنبياء:73). (فلم تزل في ذر يّته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورّثها الله تعالى النبي (ص) فقال جل وتعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران:68)،
- الوارث صاحب الوصية:
استمرت وراثة الأنبياء (ع) من آدم (ع) إلى نبيّنا محمد (ص) يوصي بها السابق إلى اللاّحق 0 فعندما أوصى آدم (ع) بها إلى هابيل ودفع إليه مواريث النبوة، حسده أخيه قابيل وادعى أنه أحق بها منه لأنه الأكبر سنّاً. فأجابه آدم (ع)، بأن الأمر ليس بيده وأنه باختيار الله تعالى يضعه حيث يشاء. فحسد قابيل هابيل فقتله. كل ذلك اعتراضاً على تنصيب الله تعالى ووصايا الأنبياء وتعيينهم لورثتهم.
ثم رزق الله تعالى آدم (ع) ولداً ذكراً أسماه هبة الله، فكان هو وارثه ووصيه. فعن أبا عبد الله (ع) قال: (لما انقضت نبوة آدم وأنقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم أنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فأجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر). المحاسن ج1 ص235.
واستمرت هذه الوراثة والوصية من وصي إلى آخر حتى مبعث نبي الله نوح (ع) ومن بعده حتى انتهت إلى نبي الله إبراهيم (ع) فأوصى بها إلى إسماعيل (ع) ومن بعده... هلم جراً... إلى نبي الله موسى ثم إلى نبي الله زكريا فيحيى فعيسى (ع)، ثم ختمت النبوة بالنبي الأكرم محمد (ص)، فاجتمعت عنده كل مواريث الأنبياء والمرسلين (ع) ووصاياهم، فكان هو الوارث المنصوص عليه والمبشر به في كل الكتب السماوية السابقة وعلى لسان كل الانبياء والمرسلين والأوصياء. قال تعالى على لسان الله عيسى (ع): {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} (الصف: 6).
عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا، لم ينزل على محمد (ص) كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرائيل (ع): يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله (ص): أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم (ع) وميراثه لعلي (ع) وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي (ع) الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن (ع) الخاتم الثاني ومضى إلى ما أمر به، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين (ع) الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل وأخرج بأقوام للشهادة ولا شهادة لهم إلاّ معك، قال: ففعل (ع)...). وبعد هذا كله نختم ونقول، ان وراثة الأنبياء والأئمة لا تكون إلاّ بوصية خاصة من الله ورسوله (ص). قال تعالى {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(آل عمران:34). وهم الأئمة .
- الوارث عالم لا يجهل:
وقد فصل الإمام الرضا (ع) هذا المعنى في كلام طويل، نقتطف من ما يناسب هذا البحث، حيث قال في وصف الإمام : (...الإمام المطهر من الذنوب المبرأ عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين في قوله تعالى: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}( يونس:35)... وعن الحارث بن المغيرة أيضاً، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: العلم الذي يعلمه عالمكم بما يعلم؟ قال (ع): (وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي (ع) يحتاج الناس إليه ولا يحتاج الناس). البحار ج2 ص 178.
وعن الامام الباقر (ع): (ما أدّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام). الكافي ج1 ص255.
وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس وأن الناس ليحتاجون إلينا وإن عندنا كتابا إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام صحيفة فيها كل حلال وحرام وأنكم لتأتوننا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه). الكافي ج1 ص267
- الوارث واجب الطاعة:
قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31). وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ} (النساء:64). وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}(الأحزاب:36), وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (النساء:59), وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة:55).
ورد أنّ "العلماء ورثة الأنبياء" وأنّ "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"
فهذه الوراثة هي في بعض الشئون وأمّا الإمام الحسن عليه السلام فهو وارث الأنبياء في كافة الشئون خصوصاً في منطق الأنبياء وموقفهم الذي يمكن أن نعرفه من خلال القرآن الكريم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .