بحث عن ليلة القدر العظيمة قدمته الاستاذة الفاضلة ام منتظر الاحمد ضمن برنامج مجلس أُنس للقرآن الكريم عن بعد ضمنا برامج التواصل الاجتماعي بحضور أكثر من 550 مشاركة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا ابي القاسم محمد وآله الطاهرين
قال تعالى :
( يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ….النحل/2 )
ليلة القدر ليلة تتلألأ فيها الأنوار والتجليات القدسية ، وتلفها النفحات الربانية التي يفيضها الله على عباده المؤمنين.. تكريماً لنزول القرآن الكريم ، تفتح فيها خزائن الله على مصراعيها وتفتح ابواب السماء لدعوات عباده القائمين الخاشعين المنيبين إلى ربهم في ليلة تتنزل فيها الملائكة ويغشى فيها الأرض الأمن والسلام ، فهي خير من الف شهر (يعني خير من عمرك كله) وهو عطاء يليق بكرم المعطي العظيم الذي له ملكوت كل شيء.
عن النبي (ص) قال (تفتح أبواب السماء ليلة القدر فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله له لكل سجدة شجرة في الجنة لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها . وبكل ركعة بيت في الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ وبكل أية تاجاً من تيجان الجنة.وبكل تسبيحه طائر من العجب، وبكل جلسة درجة من درجات الجنة.وبكل تشهد غرفة من غرف الجنة. وبكل تسليمه حلة من حلل الجنة).
وبعد هذه المقدمة
نذكركم بما تم طرحه في الليالي السابقة حول عوالم الغيب.
وقلنا
إنّ العالم الذي نحن نعيش فيه هو عالم الأجسام عالم المادة و الطبيعة المسمّى بالعالم الناسوتي.
ومن قبل كان الإنسان في عالم آخر يسمّى بعالم الذّر والعهد والميثاق وعالم المثال و من قبله عالم آخر يسمّى بعالم العقل المجرد وعالم الأنوار .
فما علاقة هذه الليلة بتلك العوالم؟
قلنا :
أن كلّ ما في هذا العالم الناسوتي إنّما يوجد له بعد وجودي في العوالم الغيبية الأخرى ، بنحو وجود اوسع واكبر (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)
وهذه الليلة المباركة يلفها الغيب من جميع جهاتها فهي ليلة لا يدرك كنهها وفضلها يفوق الف شهر ولا نعلم مقداره (غيب) وفيها تتنزل الملائكة ومعهم مخلوق اسمه الروح (من عالم الغيب)
وتنزلها على ولي الله الاعظم
ارواحنا له الفداء وهو ايضا غائب
وتقدير الارزاق والآجال في مرتبة عالم اللوح المحفوظ لا نعلمها (وهذا غيب) حيث
تنزل المقادير من خزائن الله بقدر ايضا لا نعلمه
وهي سلام مطلق لا يدرك مداه وما لا يدرك مداه يكون غيبا.
وهذه الليلة هي محطة الاتصال بكل عوالم الغيب
وفيها فتحت ابواب السماء لتنزل الملائكة من جميع العوالم الغيبية وخصوصا عالم الجبروت (عالم العقول، عالم الملائكة) إلى عالم الملك والشهادة، ومن عالم الامر تتنزل بكل امر إلى عالم الخلق (ألا له الخلق والإمر) لصاحب الامر روحي فداه. بدليل قوله تعالى: ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))،
ومن لم يتصل هذه الليلة بعالم الغيب سيبقى في دائرة عالم الشهادة (عالم الدنيا ) وذهنه وقلبه مرتبط بها وبكل ما يتعلق فيها لذلك تجده يطلب طلبات (في دعاءه وتضرعه) تتلائم مع
إدراكه ومورد إنسه.
فتجد الواحدة منا تطلب بيتا او ذرية او وظيفة او مقاما او زوجا…… الخ وان كان ذلك امرا مرجوحا. إلا إن هناك قضايا اكثر اهمية وابرزها العافية والرحمة.
وهذا ضعف ادراكي في فهم حقيقة ليلة القدر التي تفتح فيها خزائن الغيب وتتنزل من كل امر. فلو اتيح لك المجال ليلة واحدة للدخول إلى خزانة الملك ومأذون لك ان تأخذي منها ما شئت من اموال ولآليء وجواهر وصكوك لقصَور وشيكات بنكية وغيرها فهل من الحكمة ان تأخذي شيئا واحد وتخرجين؟ ألا يعد ذلك حماقة وسوء تقدير ؟
الله يقول لنا فيها يفرق كل امر حكيم (يعني بصائر واسترشاد وهداية ومغفرة ورحمة وكل ما فيه منفعتك وصالحك) ونحن نكتفي بالالحاح متهالكين على امر زائل من امور الدنيا.
فلنرتقي في طلباتنا ونطلب امورا اكثر أهمية
كالهداية و تعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم
او الوصول لمقام الرضا والتسليم
او نطلب البصيرة والحكمة فمن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
ولنفهم كنه هذه الليلة العظيمة بقدرنا لا بقدرها
لنقف على بعض الحقائق التي احتوتها سورة القدر
الحقيقة الأولى :نزول القرآن
قال الله سبحانه: (إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) .
ذكر المحققون ان للقرآن نزولين:
النزول الدفعي، وهو نزول القرآن بأجمعه على قلب النبي (صلى الله عليه وآله) او على البيت المعمور، او من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا.(حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) وهذا الانزال الدفعي كان في شهر رمضان في ليلة القدر.
والنزول التدريجي، وهو ما تمّ خلال 23 سنة من عصر النبوة بحسب الظروف والحوادث والاحتياجات.
وعند ملاحظة الآيات القرآنية التي تحدثت عن نزول القرآن في ليلة القدر وشهر رمضان قد عبرت بالإنزال، وهو يتوافق مع النّزول دفعة واحدة. في حين عُبر بالتنزيل فقط في الموارد التي دار الكلام فيها حول النزول التدريجي للقرآن. للإيضاح اكثر راجع تفسير الامثل ج12 ص 436
قال تعالى (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)
الحقيقة الثانبة : انها خير من الف شهر
يقول آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي
(ليلة القدر هي قلب شهر رمضان. وإنها معجزة أكثر قوّة من معجزة سليمان النبيّ؛ لأنّ معجزة النبيّ سليمان تجلّت في السيطرة على الرياح التي كان ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ (سبأ: 12). فكيف بمن يقطعِ طريقٍ يستغرق ألف شهرٍ في ليلة واحدة؟
اي أنّ السالك الصالح يتمكّن من قَطْعِ طريقٍ يمتدّ لألف شهر في ليلة واحدة، في ليلة القدرالتي هي ( خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر﴾ (القدر: 3).
الفارق أنّ النبيّ سليمان عليه السلام كان يقطع مسير “المكان”، والقرآنيين بإمكانهم قطع مسير “المكانة(المقامات العالية عند الله)
وهذا يعني ان كل عمل نقوم به هذا الليلة يكون الضعف لما يربو على عبادة الف شهر.
الحقيقة الثالثة :تنزل الملائكة.
سؤال :
هل هذا التنزل مختص بزمان النبي صلى الله عليه وآله ام أنه مستمر؟
الجواب :
مستمر، بدليل صيغة المضارع في “تنزّل” تدل على أن النزول لم ينقطع عن سماء الدنيا ما دامت السموات والأرض قائمتا، وذلك لحاجة الإنسان إلى الهداية والمغفرة الإلهية والفيض الدائم.
عن أبي ذر أنه قال: “قلت يا رسول الله ليلة القدر هي شيء تكون على عهد الأنبياء ينزل فيها، فإذا قُبضوا رُفعت، قال لا بل هي إلى يوم القيامة”.مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، دار المعرفة، ج10، ص786.
وفي حديث آخر عن داود بن فرقد قال: حدثني يعقوب قال: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر. فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: “لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن”.تفسير نور الثقلين، ج5، ص621.
وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابن العباس: “إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينـزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله.فقال ابن عباس من هم ؟ قال عليه السلام: أنا وأحد عشر من صلبي ) .
الحقيقة الرابعة :
بماذا تنزل الملائكة ؟
الجواب :”
يقول تعالى في كتابه الكريم: (بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) وقال تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
فإذا في هذه الليلة يفرق فيها كل امر مرتبط بعالم الدنيا من عالم الامر متنزلة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة على من له الأهلية لحمل ذلك الامر وهو صاحب الامر ارواحنا له الفداء
ونلاحظ ان هذه التنزلات الإفاضية تنزل بقدر بقرينة من كل امر (ومن بعضية) والمعنى :ان الملائكة تتنزل ببعض الامر من عالم الامر على صاحب الامر عج
من حياة وموت ، سعادة وشقاء ورزق ، غنى وفقر ، صحة ومرض …وحتى الآجال
يعني كل أمر بدون استثناء ..
قال الإمام الصادق عليه السلام: نزل القرآن في ليلة القدر إلى البيت المعمور جملة ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة، ومعنى ليلة القدر أن الله تبارك وتعالى يُقدر فيها الآجال والأرزاق وما يكون في السنة من موت أو حياة أو جدب أو خصب أو شدة أو رخاء أو شر (تنزل الملائكة) على إمام الزمان مع روح القدس) . بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج82، ص52.
وعليه نسأل :هل التنزل بمرتبة واحدة ام مراتب؟
الجواب :إن هذا التدبير في ( ليلة القدر ) يتنزل بمراتب ثلاث وهي كالأتي :
المرتبة الأولى :
ليلة 19 ويتم فيها ( التقدير ) أو نزول ( الميزانية ) .
المرتبة الثانية :
ليلة 21 ويتم فيها ( الإبرام )
المرتبة الثالثة :
ليلة 23 ويتم فيها الإمضاء.
ورد في رواية ذكرها الشيخ الكليني الكافي بإسناده عن زرارة قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): التقدير في تسع عشرة، والإبرام في إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين).
هل من دليل قرآني على ذلك؟
يقول العلماء نعم
وهو تكرر لفظة ليلة ابقدر في سورة القدر ثلاثا
إنا أنزلناه في ( ليلة القدر )
وما أدراك ما ( ليلة القدر )
( ليلة القدر ) خير من ألف شهر ..
ما هو ذلك الامر الذي تتنزل به الملائكة؟
وقد جاء في حديث مأثور عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا كانت ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة الى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء الله في تلك السنة، فإذا أراد الله أن يقدم شيئاً أو يؤخره، أو ينقص أمر الملك أن يمحو ما شاء، ثم أثبت الذي أراد.
قلت: وكل شيء هو عنده ومثبت في كتاب ؟ قال: “نعم”.
قلت فأي شيء يكون بعده ؟ قال: “سبحان الله ! ثم يحدث الله أيضاً ما يشاء تبارك وتعالى(11) .تفسير نور الثقلين، ج5، ص631
الحقيقة الخامسة : على من تتنزل؟
قال تعالى :
( يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ….النحل/2 )
يعني ليس كل العباد بل هناك من اختصهم الله بهذا التنزل. وأن ما يتنزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من كل أمر حكيم إنما يكون على من هو مؤهل لهذا التنزّل إذ لا معنى أن يتنزل الملائكة على جميع الخلق ولا معنى أن يتنزل على لا أحد، فلابدّ من وجود ذاك الفرد الأوحدي المؤهل لهذا التنزّل السماوي، ولا بد أن يكون في الأرض لتستمر عملية الترابط الإلهي البشري، السماوي والأرضي،
وعلماء العقيدة يقولون: بما أن الإمام مجرى الفيض في هذا العصر وهو من اولي الامر وحملته لذلك تنزل الامر يكون في بيوتهم
ومن عالم الامر تتنزل بكل امر إلى عالم الخلق (ألا له الخلق والإمر) لصاحب الامر روحي فداه
لأنه أقام الحق الذي فرض الله طاعته على العباد في قوله تعالى: ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))، ونحن نقرأ في دعاء الندبة
(وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ).
وهنا إشارة إلى ذلك العالم المقدس العالم العلوي لا يمكن أن ينزل إلا (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يسبح فيها بالغدو والآصال)
وهذا التكريم الإلهي في جعل أهل البيت عليهم السلام محلاً للتنزل السماوي ومحلاً للتمثيل الإلهي في الأرض _فهم كعبة الدّين في الأرض التي ينبغي أن يحج الناس إليها لانّهم بيت الدين على وجه هذه البسيطة، لبيان التعاليم الإلهية_(واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم)
فقد روى دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: “سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) .
قَالَ: نَزَلَ فِيهَا مَا يَكُونُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ مَوْلُودٍ .
قُلْتُ لَهُ: إِلَى مَنْ ؟
فَقَالَ : إِلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ إِنَّ النَّاسَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي صَلَاةٍ وَ دُعَاءٍ وَ مَسْأَلَةٍ وَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِي شُغُلٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ إِلَيْهِ بِأُمُورِ السَّنَةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ لَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ” .( بصائر الدرجات في ج1، ص: 220)
وقد ورد هذا الدعاء في ليلة ولادته المباركة عج :
“اللَّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا هذِهِ وَ مَوْلُودِها، وَ حُجَّتِكَ وَ مَوْعُودِهَا،…….. وَ وُلاةُ الامْرِ وَ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ،…. .”
(الإقبال بالأعمال الحسنة (ط – الحديثة)، ج3، ص: 330)
ولعلاقة ليلة القدر بإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف اكد الائمة على ضرورة تكرار دعاء الفرج في هذه الليلة
عن محمد بن عيسى بن عبيد باسناده عن الصالحين عليهم السلام قال: وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائما وقاعدا، وعلى كل حال، والشهر كله وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام:
اللهم كن لوليك…… )
الحقيقة السادسة : الملائكة
قوله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها)
هل هم على شاكلة واحدة؟ ام هم اصناف واشكال وتنوع في الوظائف والمهام؟ وهل كلهم يتنزلون إلى عالمنا هذه الليلة؟
الجواب
قد نتصوّر ان الملائكة مجرّد عمّال إلهيين وموظفين ربانيين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ؛
إلّا أنّ حقيقتهم تحمل بعدا آخر قد أشير إليه في قوله تعالى: {فَسُبْحانَ الَّذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}.سورة يس، الآية 83. يعني
للملائكة ظهور ملكوتي
وهي تجليات حضور الله بأسمائه وصفاته.
و تكمن عظمة الملائكة في هذه المظهرية وهذا التجلّي. لذلك عُدّ الإيمان بهم مرتبة عالية من مراتب الإيمان بالله تعالى لأنهم وسيلة المعرفة الشهودية العرفانية، وهم ظهور الحقيقة التي أراد الله تعالى لهذا الإنسان المحجوب أن يدركها في ارتقائه وصعوده إلى قمم المعرفة الالهية . إنّهم حقائق هذا العالم وبواطنه، لكنّهم حقائق فاعلة؛ لهذا
يريدنا الله تعالى أن نرتبط ببهم ارتباطًا شخصيًّا تفاعليًّا، في هذه الليلة بحيث نتحسس نزولهم بقلوبنا ونستشعر تنزلاتهم بأرواحنا.
ومنذ بدء الخليقة والملائكة الموكلة بهذا العالم تديره وتدبّره، تبعًا لخليفة الله وطاعةً لحجّته، الذي يكون بمثابة القائد والموجّه. فملائكة الله لا يفعلون أي شيء في العالم إلا بإذنه وحكمته؛ وهذا ما تُعبّر عنه أسرار ليلة القدر ومعانيها.. فهم عمّال وليّ الله وخليفته في هذا العالم وقواه الفاعلة.. لكن ما يحدث، بعد ظهور الإمام المهديّ، هو أنّ هذه الفاعلية الملكوتية ستزداد وتتضاعف أضعافًا كثيرة؛ . كما جاء في حديث الإمام الرضا (عليه السلام) في دلائل الإمامة، حيث قال:
“إِذَا قَامَ الْقَائِمُ، يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْجُلُوسِ مَعَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدُ حَاجَةً أَرْسَلَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْض الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَحْمِلَهُ، فَيَحْمِلُهُ الْمَلَكُ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَائِمَ، فَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُ.
وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسِيرُ فِي السَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْمَلَائِكَةِ مَشْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْبِقُ الْمَلَائِكَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَتَحَاكَمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ؛ وَالْمُؤْمِنُونَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَيِّرُهُ الْقَائِمُ قَاضِياً بَيْنَ مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَة..”.دلائل الإمامة، ص 454-455.
ونلاحظ ارتباط عصر الظهور بالملائكة
وللجواب عن اصنافهم نقتصر على بعض الروايات
الواردة عن اهل البيت ع
كما في نهج البلاغةيذكر امير المؤمنين اطوار (اصناف) الملائكة : «… ثمَّ فتق ما بين السماوات العُلا، فملأهنّ أطواراً مِنْ ملائكته
منهم سجود لا يركعون،1
وركوع لا ينتصبون،2 وصافون لا يتزايلون،3 ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان،4 ومنهم أُمناء عَلَى وحيه، وألسنة إلى رسله ومختلفون بقضاءه وأمره،5
وَمِنْهُم الحفظة لعباده6 والسدنة لأبواب جنانه،7 وَمِنْهُم الثابتة فِي الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة مِنْ السَّماء العليا أعناقهم والخارجة مِنْ الأقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ناكسة دونه أبصارهم متلفعون تحته بأجنحتهم 7
مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجب العِزّة …»(٣٧).
8-الروح
وروى في بصائر الدرجات بسنده عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال في حديث عن شأن الامام أول تولده – (……. وَاسْتَوْجَبَ زِيَادَةَ الرُّوحِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَيْسَ الرُّوحُ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ مِنَ المَلَائِكَةِ وَالرُّوحُ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنَ المَلَائِكَةِ أَ لَيْسَ الله يَقُولُ ﴿تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ﴾(٤٢)
وفي البصائر:…. عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) يَسْأَلُهُ عَنِ الرُّوحِ أَ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام) جَبْرَئِيلُ مِنَ المَلَائِكَةِ وَالرُّوحُ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً مِنَ الْقَوْلِ مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام)…. يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ﴿أَتَى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون يُنَزِّلُ المَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ﴾ وَالرُّوحُ غَيْرُ المَلَائِكَةِ)(٤٣).
واستظهر البعض من الآية التالية، أن الروح هي الوحي، فإن الملائكة يهبطون في ليلة القدر به قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا). (الشورى/52)
9-الملائكة الكروبيون:
وفي رواية المعراج للرواندي:… ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا فِيهَا خَلَقَ كَثِيرٍ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَفِيهَا الْكَرُوبِيُّونَ قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَأَبْصَرْتُ فِيهَا خَلْقاً وَمَلَائِكَةُ(٤٦).
10-الروحانيين
11-حملة العرش
12-الموسومين
13-المردفين
14-الكرام الكاتبين
جبرئيل من اي صنف من الملائكة؟
مِنْ الروحانيين
الاحتجاج: فِي خبر الزنديق الذي سأل أمير المُؤْمِنِين (عليه السلام):
«… وأمَّا قوله ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى﴾ يعني محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين كَانَ عِنْدَ سدرة المنتهى، حَيْثُ لا يجاوزها خلق مِنْ خلق الله (عزَّ وجلَّ). وقوله فِي آخر الآية ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ رأى جبرئيل (عليه السلام) فِي صورته مرتين: هَذِهِ المرة وَمَرَّة أُخرى، وَذَلِكَ أنَّ خلق جبرئيل عظيم فَهُوَ مِنْ الروحانيين الَّذِيْنَ لا يدرك خلقهم وصورتهم إلَّا رب العالمين»(٤٨).
15-الملائكة المقربون:
بصائر الدرجات موثق سدير عَنْ أبي عبد الله (عليه السلام): «قَالَ: إنَّ أمركم هَذَا عُرض عَلَى الملائكة، فَلَمْ يقرّ به إلَّا المقربون، وعرض عَلَى الأنبياء، فَلَمْ يقرّبه إلَّا المرسلون، وعرض عَلَى المُؤْمِنِين فَلَمْ يقرّبه إلَّا الممتحنون»(٤٩).
16-خزنة الجنان وخزنة النيران
17-المدبرات امرا
وغيرها من المهام الملكوتية والملكية للملائكة
وجواب السؤال الذي يقول
هل كلهم يتنزلون ام بعضهم؟
نقول :
ان الله تعالى قال تنزل الملائكة وهذا يعني ان جميع الملائكة تنزل
وهذا من قبيل قولنا ،:وحشر الناس
يعني لم يستثنى احد من الناس
الحقيقة السابعة :سلام هي حتى مطلع الفجر
فهي سلام وامان واطمئنان من الله للمؤمنين
وكما أن الله تعالى يصلي ويسلم على رسوله، فهو يسلّم على المؤمنين والمؤمنات أيضاً. قال: هو الذي يصلي عليكم وملائكته.
الله تعالى يصلي عليكم والملائكة أيضاً تصلي عليكم ليخرجوكم من الظلمات إلى النور.
هل هناك كمال أفضل وأرقى من أن يَصل الإنسان نفسه إلى مقام يسلّم الله تعالى فيه عليه، وتسلِّم عليه الملائكة؟ إنّ ليلة القدر هي التي تعطينا هذا القدر والشرف في أن نكون من المخاطبين بسلام وصلوات الله، وحملة عرش الله، والملائكة الإلهيّين.