مقدمة:
كثر الكلام حول هذه المسميات ومقاصدها الحقيقية وما زال العلماء والباحثين يجتهدون مليا لاكتشافها بعد ان تشابكت المعاني بين ما هو متعارف ومتداول في افهام الناس وبين ما هو مسطور في القرآن الكريم والحقيقة ان معاني ومفاهيم القرآن عميقة جدا فمن ظاهرها ما يفهمه الجميع وفيها من رقة الباطن ما لا يقوى على فهمه الا الراسخون في العلم ومن ايدهم الله بروح منه ..
ان كل جيل يتقدم تتضح له معاني واسرار أعمق من الجيل الذي سبقه في مقاصد الآيات فتتكشف له ما لم يكن ممكنا في الازمان السالفة ونعتقد ان ما يحدث اليوم من كشوفات قرآنية متجددة ما هي الا دليل على اعجازية القرآن وازليته فكلما ارتقى الانسان في الفهم والوعي كلما فهم مقاصد القرآن بشكل أعمق وأدق عن الفهم السابق وهنا يكمن التحدي والاعجاز في ديمومة القرآن الصالحة لكل زمان ومكان .. وهذا لا يعد عيبا في فهم السابقين بقدر ما انه تسلسل طبيعي في سلم الحياة التصاعدي للوعي العام ونعتقد ان الأجيال اللاحقة سوف تستنطق القرآن بشكل أفضل من جيلنا الحالي وهكذا دواليك مما يعني ان تفسير القرآن في حركة دائبة ومستمرة تنافي اقوال أصحاب الجمود.
بقيت بعض المفاهيم القرآنية بين مد وجزر عند العلماء والباحثين فمنهم من يقترب من الحقيقة ومنهم من يبتعد عنها كل بحسب منهجيته وفهمه يستنبط ويستنتج ما يراه صحيحا الا ان الحقيقة أحيانا لها عدة وجوه وتأخذ من عدة زوايا كلما اقتربنا منها أكثر أصبح الفهم اشمل وبالتالي ستكون النتيجة أفضل .. فمثلا مصطلح البصر والعمى في القرآن عندما نأخذ بظاهر الآية الشريفة نجد هذا التساؤل الظاهري من الانسان { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } (سورة طه 125) فكان الجواب واضحا { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (سورة طه 124) و { قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } (سورة طه 126) واما بالفهم الباطني للآيات تتضح الرؤية من علة العمى في الحشر سببه نسيان ذكر الله والاعراض عن سننه رغم كونه سليم البصر في عالم الدنيا ! { لَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } (سورة الأَعراف 179) فالمهم أيها الانسان بصيرتك الداخلية التي ترى النور فتتبعه وترى الظلمات فتتجنبها..
مثال آخر للفصل بين مصطلحات القرآن الظاهرية والباطنية في قوله تعالى { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } (سورة الروم 52) فمن ناحية ظاهرية فعلا ان الموتى والصم لا يسمعون أي صوت او نداء وهذا لا يحتاج الى عبقرية فباستطاعة الجميع فهمه ولكن من ناحية باطنية هذا وصف وتشبيه للتائهين في الحياة عن الحق يعيشون وكأنهم اموات رغم كونهم يتنفسون وأيضا الذين لا يستمعون للحق ويرفضونه فهم كالصم مع كون اسماعهم سليمة { وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة النمل 81)
كذلك مصطلح القلب في القرآن فهل المقصود هو القلب المادي (مضخة الدم) الذي في صدر الانسان كما يفهم من ظاهر الآيات ؟ ام هناك شيئ آخر مجرد فوق الحس والمادة لا تدركه الابصار ؟
هذا ما سنحاول البت فيه للوصول لأقرب نتيجة بحول من الله ولطفه ..
التعليقات 1
1 pings
2020-05-06 في 4:01 م[3] رابط التعليق
يوركت أخي الكريم